سورة القصص (28): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة القصص بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير الطبري (الإمام أبو جعفر الطبري). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة القصص مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة القصص

سُورَةُ القَصَصِ
الصفحة 393 (آيات من 60 إلى 70)

وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَىْءٍ فَمَتَٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ۚ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰٓ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَفَمَن وَعَدْنَٰهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَٰقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَٰهُ مَتَٰعَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآءِىَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ رَبَّنَا هَٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ أَغْوَيْنَآ أَغْوَيْنَٰهُمْ كَمَا غَوَيْنَا ۖ تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ ۖ مَا كَانُوٓا۟ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ وَقِيلَ ٱدْعُوا۟ شُرَكَآءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا۟ لَهُمْ وَرَأَوُا۟ ٱلْعَذَابَ ۚ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا۟ يَهْتَدُونَ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبْتُمُ ٱلْمُرْسَلِينَ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْأَنۢبَآءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَآءَلُونَ فَأَمَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحًا فَعَسَىٰٓ أَن يَكُونَ مِنَ ٱلْمُفْلِحِينَ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ وَهُوَ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ ٱلْحَمْدُ فِى ٱلْأُولَىٰ وَٱلْءَاخِرَةِ ۖ وَلَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
393

الاستماع إلى سورة القصص

تفسير سورة القصص (تفسير الطبري: الإمام أبو جعفر الطبري)

الترجمة الإنجليزية

Wama ooteetum min shayin famataAAu alhayati alddunya wazeenatuha wama AAinda Allahi khayrun waabqa afala taAAqiloona

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ (60)يقول تعالى ذكره: وما أعطيتم أيها الناس من شيء من الأموال والأولاد, فإنما هو متاع تتمتعون به في هذه الحياة الدنيا, وهو من زينتها التي يتزين به فيها, لا يغني عنكم عند الله شيئا, ولا ينفعكم شيء منه في معادكم، وما عند الله لأهل طاعته وولايته خير مما أوتيتموه أنتم في هذه الدنيا من متاعها وزينتها(وأبقى), يقول: وأبقى لأهله؛ لأنه دائم لا نفاد له.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, في قوله: ( وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) قال: خيرٌ ثوابا, وأبقى عندنا.يقول تعالى ذكره (أَفَلا تَعْقِلُونَ): أفلا عقول لكم أيها القوم تتدبرون بها فتعرفون بها الخير من الشرّ, وتختارون لأنفسكم خير المنزلتين على شرّهما, وتؤثرون الدائم الذي لا نفاد له من النعيم, على الفاني الذي لا بقاء له.

الترجمة الإنجليزية

Afaman waAAadnahu waAAdan hasanan fahuwa laqeehi kaman mattaAAnahu mataAAa alhayati alddunya thumma huwa yawma alqiyamati mina almuhdareena

القول في تأويل قوله تعالى : أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)يقول تعالى ذكره: أفمن وعدناه من خلقنا على طاعته إيانا الجنة, فآمن بما وعدناه وصدّق وأطاعنا, فاستحقّ بطاعته إيانا أن ننجز له ما وعدناه, فهو لاق ما وعد, وصائر إليه كمن متَّعناه في الدنيا متاعها, فتمتع به, ونسي العمل بما وعدنا أهل الطاعة, وترك طلبه, وآثر لذّة عاجلة على آجلة, ثم هو يوم القيامة إذا ورد على الله من المحضرين , يعني من المُشْهدينَ عذاب الله, وأليم عقابه.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال ثنا سعيد, عن قتاده, قوله: ( أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ ) قال: هو المؤمن سمع كتاب الله فصدّق به وآمن بما وعد الله &; 19-605 &; فيه ( كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) هو هذا الكافر ليس والله كالمؤمن ( ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) : أي في عذاب الله.حدثنا محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال ابن عمرو في حديثه: قوله: ( مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) قال: أحضروها. وقال الحارث في حديثه: ( ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) أهل النار, أحضروها.حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد ( ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) قال: أهل النار, أحضروها.واختلف أهل التأويل فيمن نزلت فيه هذه الآية, فقال بعضهم نزلت في النبيّ صلى الله عليه وسلم , وفي أبي جهل بن هشام.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العجلي, قال: ثنا شعبة, عن أبان بن تغلب, عن مجاهد ( أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) قال نزلت في النبيّ صلى الله عليه وسلم , وفي أبي جهل بن هشام.حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج ( أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ ) قال: النبي صلى الله عليه وسلم .وقال آخرون: نزلت في حمزة وعلي رضي الله عنهما, وأبي جهل لعنه الله.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا بدل بن المحبر التغلبي (1) قال: ثنا شعبة, عن أبان بن تغلب, عن مجاهد ( أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) قال: نزلت في حمزة وعلي بن أبي طالب, وأبي جهل.حدثنا عبد الصمد, قال: ثنا شعبة عن أبان بن تغلب, عن مجاهد, قال: نزلت في حمزة وأبي جهل.------------------------الهوامش:(1) ‌في الخلاصة للخزرجي: بدل بن المحبر، بضم الميم وفتح المهملة والموحدة، اليربوعي، أبو المنير (كمطيع) البصري. قال أبو حاتم: صدوق. توفي في حدود سنة خمس عشرة ومئتين.

الترجمة الإنجليزية

Wayawma yunadeehim fayaqoolu ayna shurakaiya allatheena kuntum tazAAumoona

القول في تأويل قوله تعالى : وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62)يقول تعالى ذكره: ويوم ينادي ربّ العزّة الذين أشركوا به الأنداد والأوثان في الدنيا, فيقول لهم: ( أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ) أنهم لي في الدنيا شركاء

الترجمة الإنجليزية

Qala allatheena haqqa AAalayhimu alqawlu rabbana haolai allatheena aghwayna aghwaynahum kama ghawayna tabarrana ilayka ma kanoo iyyana yaAAbudoona

( قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ) يقول: قال الذين وجب عليهم غضب الله ولعنته, وهم الشياطين الذين كانوا يغوون بني آدم: ( رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا ).وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو سفيان, عن معمر, عن قَتادة, في قوله: ( هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا ) قال: هم الشياطين.وقوله: ( تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ ) يقول: تبرأنا من ولايتهم ونصرتهم إليك ( مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ ) يقول: لم يكونوا يعبدوننا.

الترجمة الإنجليزية

Waqeela odAAoo shurakaakum fadaAAawhum falam yastajeeboo lahum waraawoo alAAathaba law annahum kanoo yahtadoona

القول في تأويل قوله تعالى : وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (64)يقول تعالى ذكره: وقيل للمشركين بالله الآلهة والأنداد في الدنيا: ( ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ) الذين كنتم تدعون من دون الله ( فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ ) يقول: فلم يجيبوهم ( وَرَأَوُا الْعَذَابَ ) يقول: وعاينوا العذاب ( لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ ) يقول: فودّوا حين رأوا العذاب لو أنهم كانوا في الدنيا مهتدين للحقّ.

الترجمة الإنجليزية

Wayawma yunadeehim fayaqoolu matha ajabtumu almursaleena

القول في تأويل قوله تعالى : وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65)يقول تعالى ذكره: ويوم ينادي الله هؤلاء المشركين, فيقول لهم: ( مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ) فيما أرسلناهم به إليكم, من دعائكم إلى توحيدنا, والبراءة من الأوثان والأصنام .

الترجمة الإنجليزية

FaAAamiyat AAalayhimu alanbao yawmaithin fahum la yatasaaloona

( فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ ) يقول: فخفيت عليهم الأخبار, من قولهم: قد عمي عني خبر القوم: إذا خفي. وإنما عُنِي بذلك أنهم عميت عليهم الحجة, فلم يدروا ما يحتجون؛ لأن الله تعالى قد كان أبلغ إليهم في المعذرة, وتابع عليهم الحجة, فلم تكن لهم حجة يحتجون بها, ولا خبر يخبرون به, مما تكون لهم به نجاة ومخلص.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنْبَاءُ ) قال: الحجج, يعني الحجة.حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد: ( فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنْبَاءُ ) قال: الحجج.قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, في قوله: ( وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ) قال: بلا إله إلا الله, التوحيد.وقوله: ( فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ ) بالأنساب والقرابة.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ ) قال: لا يتساءلون بالأنساب, ولا يتماتون بالقرابات, إنهم كانوا في الدنيا إذا ألتقوا تساءلوا وتماتوا.حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد: ( فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ ) قال: بالأنساب.وقيل معنى ذلك: فعميت عليهم الحجج يومئذ, فسكتوا, فهم لا يتساءلون في حال سكوتهم.

الترجمة الإنجليزية

Faamma man taba waamana waAAamila salihan faAAasa an yakoona mina almufliheena

القول في تأويل قوله تعالى : فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67)يقول تعالى ذكره: ( فَأَمَّا مَنْ تَابَ ) من المشركين, فأناب وراجع الحقّ, وأخلص لله الألوهة, وأفرد له العبادة, فلم يشرك في عبادته شيئا( وَآمَنَ ) يقول: وصدّق بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ( وَعَمِلَ صَالِحًا ) يقول: وعمل بما أمره الله بعمله في كتابه, وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ( فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ) يقول: فهو من المنجحين المدركين طَلِبتهم عند الله, الخالدين في جنانه, وعسى من الله واجب.

الترجمة الإنجليزية

Warabbuka yakhluqu ma yashao wayakhtaru ma kana lahumu alkhiyaratu subhana Allahi wataAAala AAamma yushrikoona

القول في تأويل قوله تعالى : وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68)يقول تعالى ذكره: ( وَرَبُّكَ ) يا محمد ( يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ) أن يخلقه ( وَيَخْتَارُ ) لولايته الخيرة من خلْقه, ومن سبقت له منه السعادة. وإنما قال جلّ ثناؤه: ( وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) والمعنى: ما وصفت, لأن المشركين كانوا فيما ذكر عنهم يختارون أموالهم, فيجعلونها لآلهتهم, فقال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وربك يا محمد يخلق ما يشاء أن يخلقه, ويختار للهداية والإيمان والعمل الصالح من خلْقه, ما هو في سابق علمه أنه خيرتهم, نظير ما كان من هؤلاء المشركين لآلهتهم خيار أموالهم, فكذلك اختياري لنفسي. واجتبائي لولايتي, واصطفائي لخدمتي وطاعتي, خيار مملكتي وخلقي.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) قال: كانوا يجعلون خير أموالهم لآلهتهم في الجاهلية. فإذا كان معنى ذلك كذلك, فلا شكّ أن " ما " من قوله: ( وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) في موضع نصب, بوقوع يختار عليها, وأنها بمعنى الذي.فإن قال قائل: فإن كان الأمر كما وصفت, من أن " ما " اسم منصوب بوقوع قوله: ( يَخْتَارُ ) عليها, فأين خبر كان؟ فقد علمت ذلك كان كما قلت, أن في كان ذكرا من ما, ولا بد لكان إذا كان كذلك من تمام, وأين التمام؟ قيل: إن العرب تجعل لحروف الصفات إذا جاءت الأخبار بعدها، أحيانا, أخبارا, كفعلها بالأسماء إذا جاءت بعدها أخبارها، ذكر الفرَّاء أن القاسم بن معن أنشده قول عنترة:أمِنْ سُمَيَّةَ دَمْعُ العَيْنِ تَذْرِيفُلَوْ كَانَ ذَا مِنْكَ قَبْلَ اليَوْمِ مَعْرُوفُ (2)فرفع معروفا بحرف الصفة, وهو لا شك خبر لذا, وذُكر أن المفضل أنشده ذلك:لوْ أَنَّ ذَا مِنْكَ قبلَ اليوْمِ مَعْرُوفُومنه أيضا قول عمر بن أبي ربيعة:قُلْتُ أَجِيبِي عَاشِقًابِحُبِّكُمْ مُكَلَّفُفيهَا ثَلاث كالدُّمَىوكاعِبٌ وَمُسْلِفُ (3)فمكلَّف من نعت عاشق, وقد رفعه بحرف الصفة, وهو الباء, في أشباه لما ذكرنا بكثير من الشواهد, فكذلك قوله: ( وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) رُفعت الخيرة بالصفة, وهي لهم, إن كانت خبرا لما, لما جاءت بعد الصفة, ووقعت الصفة موقع الخبر, فصار كقول القائل: كان عمر وأبوه قائم, لا شكّ أن قائما لو كان مكان الأب, وكان الأب هو المتأخر بعده, كان منصوبا, فكذلك وجه رفع الخيرة, وهو خبر لما.فإن قال قائل: فهل يجوز أن تكون " ما " في هذا الموضع جحدا, ويكون معنى الكلام: وربك يخلق ما يشاء أن يخلقه, ويختار ما يشاء أن يختاره, فيكون قوله: ( وَيَخْتَارُ ) نهاية الخبر عن الخلق والاختيار, ثم يكون الكلام بعد ذلك مبتدأ بمعنى: لم تكن لهم الخيرة: أي لم يكن للخلق الخيرة, وإنما الخيرة لله وحده؟قيل: هذا قول لا يخفي فساده على ذي حجا, من وجوه, لو لم يكن بخلافه لأهل التأويل قول, فكيف والتأويل عمن ذكرنا بخلافه; فأما أحد وجوه فساده, فهو أن قوله: ( مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) لو كان كما ظنه من ظنه, من أن " ما " بمعنى الجحد, على نحو التأويل الذي ذكرت, كان إنما جحد تعالى ذكره, أن تكون لهم الخيرة فيما مضى قبل نزول هذه الآية, فأما فيما يستقبلونه فلهم الخيرة, لأن قول القائل: ما كان لك هذا, لا شكّ إنما هو خبر عن أنه لم يكن له ذلك فيما مضى. وقد يجوز أن يكون له فيما يستقبل, وذلك من الكلام لا شكّ خلف. لأن ما لم يكن للخلق من ذلك قديما, فليس ذلك لهم أبدا. وبعد, لو أريد ذلك المعنى, لكان الكلام: فليس. وقيل: وربك يخلق ما يشاء ويختار, ليس لهم الخيرة, ليكون نفيا عن أن يكون ذلك لهم فيما قبل وفيما بعد.والثاني: أن كتاب الله أبين البيان, وأوضح الكلام, ومحال أن يوجد فيه شيء غير مفهوم المعنى, وغير جائز في الكلام أن يقال ابتداء: ما كان لفلان الخيرة, ولما يتقدم قبل ذلك كلام يقتضي ذلك; فكذلك قوله: ( وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) ولم يتقدم قبله من الله تعالى ذكره خبر عن أحد, أنه ادعى أنه كان له الخيرة, فيقال له: ما كان لك الخيرة, وإنما جرى قبله الخبر عما هو صائر إليه أمر من تاب من شركه, وآمن وعمل صالحا, وأتبع ذلك جلّ ثناؤه الخبر عن سبب إيمان من آمن وعمل صالحا منهم, وأن ذلك إنما هو لاختياره إياه للإيمان, وللسابق من علمه فيه اهتدى. ويزيد ما قلنا من ذلك إبانة قوله: وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ فأخبر أنه يعلم من عباده السرائر والظواهر, ويصطفى لنفسه ويختار لطاعته من قد علم منه السريرة الصالحة, والعلانية الرضية.والثالث: أن معنى الخيرة في هذا الموضع: إنما هو الخيرة, وهو الشيء الذي يختار من البهائم والأنعام والرجال والنساء, يقال منه: أُعطي الخِيَرة والخَيْرة, مثل الطِّيرة والطّيْرة, وليس بالاختيار, وإذا كانت الخيرة ما وصفنا, فمعلوم أن من أجود الكلام أن يقال: وربك يخلق ما يشاء, ويختار ما يشاء, لم يكن لهم خير بهيمة أو خير طعام, أو خير رجل أو امرأة.فإن قال: فهل يجوز أن تكون بمعنى المصدر؟ قيل: لا وذلك أنها إذا كانت مصدرا كان معنى الكلام: وربك يخلق ما يشاء ويختار كون الخيرة لهم. إذا كان ذلك معناه, وجب ألا تكن الشرار لهم من البهائم والأنعام; إذا لم يكن لهم شرار ذلك وجب ألا يكون لها مالك, وذلك ما لا يخفى خطؤه, لأن لخيارها ولشرارها أربابا يملكونها بتمليك الله إياهم ذلك, وفي كون ذلك كذلك فساد توجيه ذلك إلى معنى المصدر.وقوله:سبحانه وتعالى: ( عَمَّا يُشْرِكُونَ ) يقول تعالى ذكره تنزيها لله وتبرئة له, وعلوا عما أضاف إليه المشركون من الشرك, وما تخرّصوه من الكذب والباطل عليه.وتأويل الكلام: سبحان الله وتعالى عن شركهم. وقد كان بعض أهل العربية يوجهه إلى أنه بمعنى: وتعالى عن الذي يشركون به.------------------------الهوامش:(2) البيت من شعر عنترة بن عمرو بن شداد العبسي (مختار الشعر الجاهلي، بشرح مصطفى السقا، طبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ص 394) والرواية فيه رواية المفضل التي أشار إليها المؤلف:أَمِنْ سُهَيَّةَ دَمْعُ الْعَيْنِ تَذْرِيفُلَوْ كَانَ مِنكِ قَبْلَ الْيَومِ مَعْرُوفُقال شارحه: سهية، وقيل سمية: امرأة أبيه. روى صاحب الأغاني بسنده عن علي بن سليمان الأخفش الأصغر قال: أخبرنا أبو سعيد الحسن بن الحسين السكري، عن محمد بن حبيب، قال أبو سعيد: وذكر ذلك أبو عمرو الشيباني، قالا: كان عنترة قبل أن يدعيه أبوه، حرشت عليه امرأة أبيه. وقالت إنه... عن نفسي، فغضب من ذلك شداد (شداد أبوه في بعض الروايات) غضبًا شديدًا. وضربه ضربًا مبرحًا، وضربه بالسيف، فوقعت عليه امرأة أبيه، وكفته عنه، فلما رأت ما به من الجراح بكت، وقوله "مذروف": من ذرفت عليه عينه تذرف ذريفًا، وذرفانًا: وهو قطر يكاد يتصل. وقوله "لو أن ذا منك قبل اليوم معروف": أي قد أنكرت هذا الحنو والإشفاق منك؛ لأنه لو كان معروفًا قبل ذلك لم ينكره اه. وعلى هذه الرواية لا شاهد في البيت. أما على رواية المؤلف، وهي التي نقلها الفراء عن القاسم بن معن القاضي، فإنه جعل قوله "لو كان ذا منك قبل اليوم معروف" برفع معروف على أنه خبر بعد الصفة. أي الجار والمجرور "منك"، التي هي خبر عن ذا، قال: "لأن العرب تجعل لحروف الصفات إذا جاءت الأخبار بعدها أخبارًا، كفعلها بالأسماء إذا جاءت بعدها أخبارها"... ثم أنشد البيت وقال: "فرفع معروفًا بحرف الصفة وهو لا شك خبر لذا" اه. قلت: وكأن مراده أن حرف الصفة موضوع موضع ضمير مبتدأ، ومعروف: خبره، وكأنه قال: لو كان ذا هو معروف أو نحو ذلك. وفي هذا التعبير من التعسف ما فيه. ولو قال إن "معروف" خبر عن مبتدأ محذوف تقديره: هو منك معروف، والجملة خبر كان، لكان أوضح تعبيرًا ولم أجد البيت ولا توجيه إعرابه في معاني القرآن للفراء.(3) البيتان لعمر بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي شاعر الغزل زمن بني أمية، كما قال المؤلف. ومكلف: من الكلف بالشيء وهو الحب والولوع بالشيء، كلف بالشيء كلفًا فهو كلف ومكلف: لهج به. وثلاث أي جوار أو نساء. والدمى: جمع دمية، وهي التمثال من العاج أو الرخام أو نحوهما. والكاعب: الفتاة التي تكعب ثديها وبرر والمسلف: قال في (اللسان: سلف): المسلف من النساء: النصف. وقيل: هي التي بلغت خمسًا وأربعين ونحوها، وهو وصف خص به الإناث، قال عمر بن أبي ربيعة "فيها ثلاث..." إلخ البيت: ومحل الشاهد في البيت أن قوله: مكلف بالرفع على أنه خبر، لأنه وقع بعد حرف الجر الذي وضع موضع المبتدأ، كأنه قال: أجيبي عاشقًا هو مكلف. وهو في معنى الشاهد الذي قبله من قول عنترة "لو كان ذا منك قبل اليوم معروف". اه.

الترجمة الإنجليزية

Warabbuka yaAAlamu ma tukinnu sudooruhum wama yuAAlinoona

القول في تأويل قوله تعالى : وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (69)يقول تعالى ذكره: وربك يا محمد يعلم ما تخفي صدور خلقه; وهو من: أكننت الشيء في صدري: إذا أضمرته فيه, وكننت الشيء: إذا صنته,( وَمَا يُعْلِنُونَ ): يقول: وما يبدونه بألسنتهم وجوارحهم, وإنما يعني بذلك أن اختيار من يختار منهم للإيمان به على علم منه بسرائر أمورهم وبواديها, وأنه يختار للخير أهله, فيوفقهم له, ويولي الشرّ أهله, ويخليهم وإياه.

الترجمة الإنجليزية

Wahuwa Allahu la ilaha illa huwa lahu alhamdu fee aloola waalakhirati walahu alhukmu wailayhi turjaAAoona

وقوله: ( وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ ) يقول تعالى ذكره: وربك يا محمد، المعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له, ولا معبود تجوز عبادته غيره ( لَهُ الْحَمْدُ فِي الأولَى ) يعني: في الدنيا( وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ ) يقول: وله القضاء بين خلقه ( وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) يقول: وإليه تردون من بعد مماتكم, فيقضي بينكم بالحقّ.--------------------------------------------------------
393