سورة البقرة (2): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة البقرة بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة البقرة مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة البقرة

سورة البقرة في القرآن الكريم

سورة البقرة هي ثاني سورة من سور القرآن الكريم، وتتألف من 286 آية. تعتبر سورة البقرة من أطول السور في القرآن الكريم، وتحتوي على مواضيع متنوعة تتعلق بالعقيدة والشريعة والأخلاق والتشريعات الاجتماعية.

تتضمن سورة البقرة العديد من الحكم والأوامر الإلهية التي تهدف إلى توجيه الإنسان في حياته وتربيته على القيم الإسلامية. كما تحتوي على قصص وأمثال تعبر عن الحكمة والعبرة للمؤمنين.

من بين المواضيع الرئيسية التي تتناولها سورة البقرة هي الإيمان والتوحيد، والشريعة والأحكام الشرعية، والأخلاق والتربية، والتاريخ الإسلامي والقصص القرآنية.

يعتبر قراءة سورة البقرة والتفكير في مضمونها من الأمور المهمة في الحياة اليومية للمسلم، حيث تحتوي على توجيهات ونصائح تساعد على تحسين الحياة الروحية والاجتماعية.

بالإضافة إلى ذلك، يعتقد الكثيرون أن قراءة سورة البقرة تحمي المنزل وأهله من الشرور والأذى، وتجلب البركة والرزق.

سُورَةُ البَقَرَةِ
الصفحة 46 (آيات من 270 إلى 274)

وَمَآ أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُهُۥ ۗ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ إِن تُبْدُوا۟ ٱلصَّدَقَٰتِ فَنِعِمَّا هِىَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّـَٔاتِكُمْ ۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ۞ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَىٰهُمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحْصِرُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى ٱلْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَٰهُمْ لَا يَسْـَٔلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٌ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُم بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
46

الاستماع إلى سورة البقرة

تفسير سورة البقرة (تفسير الوسيط لطنطاوي: محمد سيد طنطاوي)

الترجمة الإنجليزية

Wama anfaqtum min nafaqatin aw nathartum min nathrin fainna Allaha yaAAlamuhu wama lilththalimeena min ansarin

النفقة: هي العطاء العاجل في باب من أبواب الخير. أما النذر: فهو التزام قربة من القربات أو صدقة من الصدقات بأن يقول: لله على نذر أن أفعل كذا من أنواع البر. أو إن شفى الله مريضى فسأفعل كذا.والمعنى: وما أنفقتم- أيها المؤمنون- من نفقة عاجلة قليلة أو كثيرة، أو التزمتم بنفقة مستقبلة وعاهدتم الله- تعالى- على القيام بها، فإنه- سبحانه- يعلم كل شيء، ويعلم ما صاحب نياتكم من إخلاص أو رياء، ويعلم ما أنفقتموه أهو من جيد أموالكم أم من رديئها، وسيجازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته. فالآية الكريمة بيان لحكم كلى شامل لجميع أفراد النفقات إثر بيان حكم ما كان منها في سبيل الله- تعالى- وما في قوله: وَما أَنْفَقْتُمْ شرطية أو موصولة والفاء في قوله: فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ رابطة لجواب الشرط إذا اعتبرنا ما شرطية، ومزيدة في الخير إذا اعتبرناها موصولة ومِنْ في قوله: مِنْ نَفَقَةٍ بيانية أو زائدة.وقوله: فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ كناية عن الجزاء عليه، لأن علم الله- تعالى- بالكائنات لا يشك فيه السامعون، فأريد لازم معناه وهو الجزاء. وإنما كان لازما له لأن القادر لا يصده عن الجزاء إلا عدم العلم بما يفعله المحسن أو المسيء.وهذه الجملة الكريمة مع إيجازها قد أفادت الوعد العظيم للمطيعين والوعيد الشديد للمتمردين، لأن الإنسان إذا أيقن أن الله تعالى لا تخفى عليه خافية من شئون خلقه، فإن هذا اليقين سيحمله على الطاعة والإخلاص، وسيحضه على المسارعة في الخيرات، خصوصا وإن الجملة قد صدرت بإن المؤكدة، وتليت بلفظ الجلالة الدال على الاستحقاق الكامل للألوهية.قال بعضهم: وإنما قال- سبحانه-: فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ ولم يقل يعلمها لوجهين:الأول: أن الضمير عائد إلى الأخير- وهو النذر-، كما في قوله- تعالى-: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً.والثاني: أن الكناية عادت إلى ما في قوله: وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ لأنها اسم كقوله:وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ .وقوله: وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ وعيد شديد للخارجين على طاعة الله أى: ليس للظالمين أى نصير أو مغيث يمنع عقوبة الله عنهم.والمراد بالظالمين: الواضعون للأشياء في غير موضعها التي يجب أن توضع فيها، والتاركون لما أمرهم الله به، فيندرج فيهم الذين يبطلون صدقاتهم بالمن والأذى والرياء والذين يتصدقون بالرديء من أموالهم، والذين ينفقون أموالهم في الوجوه التي نهى الله عنها، والذين لم يوفوا بنذورهم التي عاهدوا الله على الوفاء بها كما يندرج فيهم كل من ارتكب ما نهى الله عنه أو أهمل فيما كلفه الله به.

الترجمة الإنجليزية

In tubdoo alssadaqati faniAAimma hiya wain tukhfooha watutooha alfuqaraa fahuwa khayrun lakum wayukaffiru AAankum min sayyiatikum waAllahu bima taAAmaloona khabeerun

ثم بين- سبحانه- أن الصدقة متى صدرت عن المسلّم بالطريقة التي دعت إليها تعاليم الإسلام فإنها تكون مرجوة القبول عند الله- تعالى- سواء أفعلها المسلّم في السر أم في العلن، فقال- تعالى-: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.الصدقات: جمع صدقة وهي ما يخرجه المسلّم من ماله على جهة القربة، وتشمل الفرض والتطوع، وهي مأخوذة من الصدق بمعنى صدق النية وتخليصها من كل ما نهى الله عنه، وسمى- سبحانه- ما يخرجه المسلّم من ماله صدقة لأن المال بها يزكو وينمو يطهر.والفاء في قوله: فَنِعِمَّا هِيَ واقعة في جواب الشرط، وفَنِعِمَّا أصلها نعم ما، فأدغمت إحدى الميمين في الأخرى، ونعم فعل ماض، وما نكرة تامة بمعنى شيء، وهي منصوبة على أنها تمييز، والفاعل ضمير مستتر في نعم.والمعنى: إن تبدو صدقاتكم- أيها المؤمنون- وتظهروها فنعم شيئا إبداؤها وإعلانها، لأنه يرفع التهمة ويدعو أهل الخير إلى الاقتداء بهذا الفعل الحسن.وجاء التعبير بمدح المعلنين صدقتهم بقوله «فنعما هي» للإشارة إلى أن المسلّم متى دفع صدقته لمستحقيها بنية خالصة، فإنه يكون ممدوحا من الله- تعالى- وممدوحا من الناس الذين شاهدوا عمله الصالح.هذه صدقة الجهر إذا خلصت من الرياء أما صدقة السر فقد أثنى الله على فاعلها بقوله:وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ أى: وإن تحفوا الصدقات وتعطوها للفقراء سرا، دون أن يراكم أحد من الناس، فعملكم هذا خير لكم عند الله لأنكم بإخفائكم للصدقة ودفعها للفقير سرا تكونون قد ابتعدتم عن الرياء، وسترتم حال هذا الفقير المحتاج.وقوله: وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ أى أنه- سبحانه- يستر السيئات التي يرتكبها الشخص، ويخفيها ولا يظهرها عند إثابته إياه على فعله الحسن لأن ما فعله من حسنات مسح ما فعله من سيئات فهو كقوله- تعالى-: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ ومِنْ في قوله: مِنْ سَيِّئاتِكُمْ بيانية بمعنى أن الصدقات تكفر السيئات لأن المسلّم إذا بذل ماله في سبيل الله بصدق وإخلاص، كان أهلا لمثوبة الله ومغفرته، ويجوز أن تكون للتبعيض أى يكفر عنكم بعض سيئاتكم بمقدار ما قدمتم من صدقات لأن الصدقات لا تكفر جميع السيئات.ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ أى أن الله- تعالى- عليم علما دقيقا بكل ما تعملونه أيها المؤمنون، فعليكم أن تخلصوا له أعمالكم، وأن تراقبوه في سركم وجهركم، وأن تسارعوا في عمل الخيرات التي ترفع درجاتكم عند خالقكم.وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد مدحت صدقتي الجهر والسر متى كان المتصدق متبعا آداب الإسلام وتوجيهاته، ومبتعدا عن كل ما يبطل الصدقات، ويحبط الأعمال.ثم ختمت السورة حديثها عن النفقة والمنفقين ببيان حسن عاقبة من يبذل ماله في سبيل الله، وبيان صفات بعض المستحقين للصدقة، وببيان أن هداية البشر إنما هي بيد الله- تعالى- وحده، فقال- تعالى-:

الترجمة الإنجليزية

Laysa AAalayka hudahum walakinna Allaha yahdee man yashao wama tunfiqoo min khayrin falianfusikum wama tunfiqoona illa ibtighaa wajhi Allahi wama tunfiqoo min khayrin yuwaffa ilaykum waantum la tuthlamoona

قال القرطبي ما ملخصه: قوله- تعالى-: لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ هذا الكلام متصل بذكر الصدقات، فكأنه بين فيه جواز الصدقة على المشركين. روى سعيد بن جبير مرسلا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في سبب نزول هذه الآية أن المسلمين كانوا يتصدقون على فقراء أهل الذمة، فلما كثر فقراء المسلمين قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا تتصدقوا إلا على أهل دينكم» . فنزلت هذه الآية مبيحة للصدقة على من ليس من دين الإسلام. وروى عن ابن عباس أنه قال: كان ناس من الأنصار لهم قرابات من بنى قريظة والنضير كانوا لا يتصدقون عليهم رغبة منهم في أن يسلموا إذا احتاجوا فنزلت الآية بسبب أولئك. ثم قال: قال علماؤنا: هذه الصدقة التي أبيحت لهم حسب ما تضمنته هذه الآثار هي صدقة التطوع، وأما المفروضة فلا يجزئ دفعها لكافر، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم» .والمعنى: ليس عليك يا محمد هداية من خالفك في دينك. ولكن الله- تعالى- يهدى من يشاء هدايته إلى نور الإيمان، وطريق الحق. وما دام الأمر كذلك فعليك وعلى أتباعك أن تعاملوا غيركم بما يوجبه عليكم إيمانكم من سماحة في الخلق، وعطف على المحتاجين حتى ولو كانوا من المخالفين لكم في الدين.وعلى هذا المعنى الذي يؤيده سبب النزول يكون الضمير في قوله: هُداهُمْ يعود على غير المسلمين.ومن المفسرين من يرى أن الضمير في قوله: هُداهُمْ يعود إلى المسلمين المخاطبين في الآيات السابقة، فيكون المعنى: لا يجب عليك أيها الرسول الكريم أن تجعل المسلمين جميعا مهديين إلى الإتيان بما أمروا به ومنتهين عما نهوا عنه من ترك المن والأذى والرياء في صدقتهم، ولكن الله وحده هو الذي يهدى من يشاء هدايته إلى الاستجابة لتوجيهات هذا الدين الحنيف.قال الآلوسى: وعلى هذا الرأى تكون الجملة معترضة جيء بها على طريق تلوين الخطاب وتوجيهه إلى سيد المخاطبين صلّى الله عليه وسلّم مع الالتفات إلى الغيبة فيما بين الخطابات المتعلقة بأولئك المكلفين مبالغة في حملهم على الامتثال.. ثم قال: «والذي يستدعيه سبب النزول رجوع ضمير هُداهُمْ إلى الكفار، وحينئذ لا التفات، وإنما هناك تلوين الخطاب فقط....».ثم حض- سبحانه- المؤمنين على الإنفاق في وجوه الخير فقال: وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ أى: ما تقدمونه من مال في وجوه البر- أيها المؤمنون- فإن نفعه سيعود عليكم بالسعادة في الدنيا، وبالثواب الجزيل في الآخرة، فكونوا أسخياء في الإحسان إلى الفقراء، وابتعدوا عن وسوسة الشيطان الذي يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ.و «ما» شرطية جازمة لتنفقوا، وهي منتصبة به على المفعولية، و «من» للتبعيض وهي متعلقة بمحذوف وقع صفة لفعل الشرط والتقدير: أى شيء تنفقوا كائنا من المال فهو لأنفسكم لا ينتفع به في الآخرة غيرها.قال الفخر الرازي ما ملخصه: وقوله- تعالى-: وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ يحتمل وجوها.الأول: أن يكون المعنى: ولستم في صدقتكم على أقاربكم من المشركين تقصدون إلا وجه الله، فقد علم الله هذا من قلوبكم، فأنفقوا عليهم إذا كنتم إنما تبغون بذلك وجه الله في صلة رحم وسد خلة مضطر، وليس عليكم اهتداؤهم حتى يمنعكم ذلك من الإنفاق عليهم.الثاني: أن هذا وإن كان ظاهره خبرا إلا أن معناه نهى أى: ولا تنفقوا إلا ابتغاء وجه اللهالثالث: أن قوله: وَما تُنْفِقُونَ أى ولا تكونوا منفقين مستحقين الاسم الذي يفيد المدح حتى تبتغوا بذلك وجه الله. وفي ذكر الوجه تشريف عظيم لأنك إذا قلت: فعلت هذا الشيء لوجه زيد فهو أشرف في الذكر من قولك: فعلته له لأن وجه الشيء أشرف ما فيه، ثم كثير حتى صار يعبر عن الشرف بهذا اللفظ، وأيضا فإن قولك: فعلت هذا الفعل لوجهه يدل على أنك فعلت الفعل له فقط وليس لغيره فيه شركة .ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ أى:أن ما تنفقونه من خير- أيها المؤمنون ستعود عليكم ثماره ومنافعه في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فإنكم بسبب هذا الانفاق تزكو أموالكم، وتحسن سيرتكم بين الناس، وأما في الآخرة فإنكم تنالون من خالقكم ورازقكم أجزل الثواب، وأفضل الدرجات.وقوله: وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ أى لا تنقصون شيئا مما وعدكم الله به على نفقتكم في سبيله.قال الجمل. وهاتان الجملتان أى قوله- تعالى- وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وقوله:وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ تأكيد للجملة الشرطية الأولى وهي قوله: وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ. وقوله: وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ جملة من مبتدأ وخبر في محل نصب على الحال من الضمير في إِلَيْكُمْ فالعامل فيها يُوَفَّ وهي تشبه الحال المؤكدة لأن معناها مفهوم من قوله: يُوَفَّ إِلَيْكُمْ لأنهم إذا وفوا حقوقهم لم يظلموا. ويجوز أن تكون مستأنفة لا محل لها من الإعراب أخبرهم فيها أنه لا يقع لهم ظلم فيندرج فيه توفية أجورهم بسبب إنفاقهم في طاعة الله- تعالى- اندراجا أوليا» .هذا، والذي يتدبر هذه الآية الكريمة يراها من أجمع الآيات التي وردت في الحض على بذل المال في وجوه الخير، فقد كرر فيها فعل تُنْفِقُونَ ثلاث مرات لمزيد الاهتمام بمدلوله، وجيء به مرتين بصيغة الشرط عند قصد بيان الملازمة بين الإنفاق والثواب، وجاءت كل جملة منها مستقلة ببعض الأحكام لكي يسهل حفظها وتأملها فتجرى على الألسنة مجرى الأمثال وتتناقلها الأمم والأجيال..

الترجمة الإنجليزية

Lilfuqarai allatheena ohsiroo fee sabeeli Allahi la yastateeAAoona darban fee alardi yahsabuhumu aljahilu aghniyaa mina alttaAAaffufi taAArifuhum biseemahum la yasaloona alnnasa ilhafan wama tunfiqoo min khayrin fainna Allaha bihi AAaleemun

ثم بعد هذا التحريض الحكيم على بذل الأموال في وجوه الخير، خص- سبحانه- بالذكر طائفة من المؤمنين هي أولى الناس بالعون والمساعدة، ووصف هذه الطائفة بست صفات من شأنها أن تحمل العقلاء على المسارعة في إكرام أفرادها وسد حاجتهم استمع إلى القرآن الكريم وهو يصور حالة هذه الطائفة من المؤمنين تصويرا كريما نبيلا يستجيش المشاعر، ويحرك القلوب لمساعدة هذه الطائفة المتعففة فيقول: لِلْفُقَراءِ، الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ، يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ، تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ، لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً.لقد وصفهم الله- تعالى- أولا بالفقراء، أى الذين هم في حاجة إلى العون والمساعدة لفقرهم واحتياجهم إلى ضرورات الحياة.وقوله: لِلْفُقَراءِ متعلق بمحذوف يفهم من الكلام السابق والتقدير: اجعلوا نفقتكم وصدقتكم للفقراء لأن الكلام السابق موضوعه للإنفاق في سبيل الله، وما يتعلق بذلك من آداب وفوائد.والجملة استئناف بيانى، فكأنهم لما أمروا بالصدقات سألوا لمن هي؟ فأجيبوا بأنها لهؤلاء الذين ذكرت الآية صفاتهم.ومن فوائد الحذف هنا للمتعلق: تعليم المؤمنين الأدب في عطائهم للفقراء بأن لا يصرحوا لهم بأن ما يعطونه إياهم هو صدقة حتى لا يشعروهم بالمذلة والضعف، وأيضا ففي هذا الحذف لون من الإيجاز البليغ الذي قل فيه اللفظ مع الوفاء بحق المعنى.قال القرطبي: والمراد بهؤلاء الفقراء، فقراء المهاجرين من قريش وغيرهم ثم تتناول الآية كل من دخل تحت صفتهم غابر الدهر. وإنما خص فقراء المهاجرين بالذكر، لأنه لم يكن هناك سواهم، وهم أهل الصفة» وكانوا نحوا من أربعمائة رجل، وذلك أنهم كانوا يأتون فقراء وما لهم أهل ولا مال فبنيت لهم صفة في المسجد النبوي بالمدينة فقيل لهم: «أهل الصفة» .أما الصفة الثانية من صفات هؤلاء الذين هم أولى الناس بالعون والمساعدة فهي قوله- تعالى-: الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ.والإحصار في اللغة هو أن يعرض للرجل ما يحول بينه وبين ما يريده بسبب مرض أو شيخوخة أو عدو أو ذهاب نفقة أو ما يجرى مجرى هذه الأشياء.والمعنى: اجعلوا الكثير مما تنفقونه- أيها المؤمنون- لهؤلاء الفقراء الذين حصروا أنفسهم ووقفوها على الطاعات المتنوعة التي من أعظمها الجهاد في سبيل الله، أو الذين منعوا من الكسب بسبب مرضهم أو شيخوختهم، أو غير ذلك من الأسباب التي جعلتهم في حالة شديدة من الفاقة والاحتياج.وعبر في الجملة الكريمة «بأحصروا» بالبناء للمجهول، للإشعار بأن فقرهم لم يكن بسبب تكاسلهم وإهمالهم في مباشرة الأسباب، وإنما كان لأسباب خارجة عن إرادتهم.وقوله: فِي سَبِيلِ اللَّهِ تكريم وتشريف لهم، أى أن ما نزل بهم من فقر واحتياج كان بسبب إيثارهم إعلاء كلمة الله على أى شيء آخر، ففي سبيل الله هاجروا، وفي سبيل الله تركوا أموالهم فصاروا فقراء، وفي سبيل الله وقفوا أنفسهم على الجهاد، وفي سبيل الله أصابهم ما أصابهم وهم يطلبون أداء ما كلفهم- سبحانه- بأدائه.أما الصفة الثالثة من صفاتهم فقال فيها لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ والضرب في الأرض هو السير فيها للتكسب والتجارة وغيرهما.أى أنهم عاجزون عن السير في الأرض لتحصيل رزقهم بسبب اشتغالهم بالجهاد، أو بسبب ضعفهم وقلة ذات يدهم.والصفة الرابعة من صفاتهم هي قوله- تعالى-: يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ.والتعفف: ترك الشيء والتنزه عن طلبه، بقهر النفس والتغلب عليها. يقال عف عن الشيء يعف إذا كف عنه. والحسبان بمعنى الظن.أى يظنهم الجاهل بحالهم، أو الذي لا فراسة عنده، يظنهم أغنياء من أجل تجملهم وتعففهم عن السؤال، أما صاحب الفراسة الصادقة، والبصيرة النافذة فإنه يرحمهم ويعطف عليهم لأنه يعرف ما لا يعرفه غيره.ومِنَ في قوله: مِنَ التَّعَفُّفِ للتعليل، أو لابتداء الغاية لأن التعفف مبدأ هذا الحسبان.أما الصفة الخامسة من صفاتهم فهي قوله- تعالى-: تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ والسيما والسيماء: العلامة التي يعرف بها الشيء، وأصلها من الوسم بمعنى العلامة.والمعنى: تعرف فقرهم وحاجتهم- أيها الرسول الكريم أو أيها المؤمن العاقل- بما ترى في هيئتهم من آثار تشهد بقلة ذات يدهم.قال الإمام الرازي ما ملخصه: قال مجاهد: «سيماهم» التخشع والتواضع. أى- تعرفهم بتخشعهم وتواضعهم- وقال السدى: - تعرفهم بسيماهم- أى بأثر الجهد من الفقر والحاجة. وقال الضحاك: أى بصفرة ألوانهم ورثاثة ثيابهم ... ثم قال- رحمه الله-: وعندي أن كل ذلك فيه نظر والمراد شيء آخر هو أن لعباد الله المخلصين هيبة ووقعا في قلوب الخلق، وكل من رآهم تأثر منهم وتواضع لهم، وذلك له إدراكات روحانية، لا علامات جسمانية. ألا ترى أن الأسد إذا مر هابته سائر السباع بطباعها لا بالتجربة، لأن الظاهر أن تلك التجربةما وقعت، والبازي إذا طار تهرب منه الطيور الضعيفة وكل ذلك إدراكات روحانية لا جسمانية فكذا هنا ... » .وقد ذكر- سبحانه- في الجملة السابقة أن الجاهل بحالهم يظنهم أغنياء من أجل تعففهم عن السؤال، وذكر هنا أنهم يعرفون بسيماهم، وذلك للإشعار بأن أنظار الناس تختلف باختلاف فراستهم ونفاذ بصيرتهم. فأصحاب الأنظار التي تأخذ الأمور بمظاهرها يظنونهم أغنياء، أما أصحاب البصيرة المستنيرة، والحس المرهف، والفراسة الصائبة، فإنهم يدركون ما عليه أولئك القوم من احتياج، بسبب ما منحهم الله من فكر صائب ونظر نافذ، وفي الحديث الشريف: «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله».أما الصفة السادسة من صفاتهم فهي قوله- تعالى-: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً والإلحاف- كما يقول صاحب الكشاف: هو الإلحاح بأن لا يفارق- السائل المسئول- إلا بشيء يعطاه. من قولهم: لحفني من فضل لحافه أى أعطانى من فضل ما عنده. ومعناه:أنهم إن سألوا سألوا بتلطف ولم يلحفوا. وقيل هو نفى للسؤال والإلحاف».والذي عليه المحققون من العلماء أن النفي منصب على السؤال وعلى الإلحاف أى أنهم لا يسألون أصلا تعففا منهم، لأنهم لو كانوا يسألون ما ظنهم الجاهل أغنياء من التعفف، ولو كانوا يسألون ما كانوا متعففين، ولو كانوا يسألون ما احتاج صاحب البصيرة النافذة إلى معرفة حالهم عن طريق التفرس في سماتهم لأن سؤالهم كان يغنيه عن ذلك.وإنما جاء النفي بهذه الطريقة التي يوهم ظاهرها أن النفي متجه إلى الإلحاف وحده، للموازنة بينهم وبين غيرهم، فإن غيرهم إذا كان يسأل الناس إلحافا فهم لا يسألون مطلقا لا بإلحاف ولا بدونه، والنفي بهذه الطريقة فيه تعريض للملحفين وثناء على المتعففين. ولذا قال بعضهم: وإذا علم أنهم لا يسألون البتة فقد علم أنهم لا يسألون الناس إلحافا والمراد التنبيه على سوء طريقة من يسأل الناس إلحافا، ومثاله إذا حضر عندك رجلان أحدهما عاقل وقور قليل الكلام، والآخر طياش مهذار سفيه، فإذا أردت أن تمدح أحدهما وتعرض بذم الآخر قلت:فلان رجل عاقل وقور لا بخوض في الترهات ولا يشرع في السفاهات، ولم يكن غرضك من قولك لا يخوض في الترهات وصفه بذلك لأن ما تقدم من الأوصاف الحسنة يغنى عن ذلك، بل غرضك التنبيه على مذمة الثاني. فالأمر هنا كذلك لأن قوله: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً بعد قوله: يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ الغرض منه بيان مباينة أحد الجنسين عن الآخر في استيجاب المدح والتعظيم» .هذا وقد وردت أحاديث متعددة تمدح المتعففين عن السؤال، وتذم الملحفين فيه ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان ولا التمرة والتمرتان إنما المسكين الذي يتعفف. اقرؤا إن شئتم: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً.وروى مسلّم في صحيحه عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم» .وروى مسلّم- أيضا- في صحيحه عن عوف بن مالك قال: كنا تسعة أو ثمانية أو سبعة عند رسول الله فقال: «ألا تبايعون رسول الله؟ فقلنا علام نبايعك؟ قال: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. والصلوات الخمس، وتطيعوا ولا تسألوا الناس. فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فلا يسأل أحدا يناوله إياه» .والخلاصة أن السؤال إنما يجوز عند الضرورة، وأنه لا يصح لمؤمن أن يسأل الناس وعنده ما يكفيه، لأن السؤال ذل يربأ بنفسه عنه كل من يحافظ على مروءته وكرامته وشرفه.وقوله: وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ تحريض للمؤمن على البذل والسخاء، وترقية لنفسه على الشعور بمراقبة الله- تعالى- وعلى محبة فعل الخير.أى: وما تنفقوا من خير سواء أكان المنفق قليلا أم كثيرا سرا أم علنا فإن الله يعلمه وسيجازيكم عليه بأجزل الثواب، وأعظم العطاء.

الترجمة الإنجليزية

Allatheena yunfiqoona amwalahum biallayli waalnnahari sirran waAAalaniyatan falahum ajruhum AAinda rabbihim wala khawfun AAalayhim wala hum yahzanoona

ثم ختم- سبحانه- الحديث عن النفقة والمنفقين بقوله: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.وقوله: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً استئناف المقصود منه مدح أولئك الذين يعممون صدقاتهم في كل الأزمان وفي كل الأحوال فهم يتصدقون على المحتاجين في الليل وفي النهار، في الغدو وفي الآصال، في السر وفي العلن، في كل وقت وفي كل حال، لأنهم لقوة إيمانهم، وصفاء نفوسهم يحرصون كل الحرص على كل ما يرضى الله تعالى.وقد بين الله- تعالى- في ثلاث جمل حسن عاقبتهم، وعظيم ثوابهم فقال في الجملة الأولى فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ أى فلهم أجرهم الجزيل عند خالقهم ومربيهم ورازقهم.والجملة الكريمة خبر لقوله: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ ... ودخلت الفاء في الخبر لأن الموصول في معنى الشرط فتدخل الفاء في خبره جوازا، وللدلالة على سببية ما قبلها لما بعدها أى أن استحقاق الأجر متسبب عن الإنفاق في سبيل الله.وقال في الجملة الثانية وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ أى: لا خوف عليهم من أى عذاب لأنهم في مأمن من عذاب الله بسبب ما قدموا من عمل صالح.وقال في الجملة الثالثة: وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أى لا يصيبهم ما يؤدى بهم إلى الحزن والهم والغم، لأنهم دائما في اطمئنان يدفع عنهم الهموم والأحزان وقد روى المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها أن على بن أبى طالب كان يملك أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا، وبدرهم نهارا وبدرهم سرا، وبدرهم علانية فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما حملك على ذلك؟ فقال:أريد أن أكون أهلا لما وعدني ربي. فقال صلّى الله عليه وسلّم: لك ذلك» فأنزل الله هذه الآية.والحق أن هذه الرواية وغيرها لا تمنع عمومها، فهي تنطبق على كل من بذل ماله في سبيل الله في عموم الأوقات والأحوال.أما بعد: فهذه أربع عشرة آية بدأت من قوله- تعالى- مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ ... وانتهت بقوله- تعالى-: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ....والذي يقرأ هذه الآيات الكريمة بتدبر وتعقل يراها قد حضت الناس على الإنفاق في سبيل الله بأبلغ الأساليب، وأحكم التوجيهات، وأفضل الوسائل، كما يراها بينت أحكام الصدقة وآدابها، والآفات التي تذهب بخيرها وضربت الأمثال لذلك، كما يراها قد بينت أنواعها، وطريقة أدائها، وأولى الناس بها ورسمت صورة كريمة للفقراء المتعففين، وكما بدأت الآيات حديثها بالثناء الجميل على المتفقين فقد ختمته أيضا بالثناء عليهم وبالعاقبة الحسنى التي أعدها الله لهم.ولو أن المسلمين أخذوا بتوجيهات هذه الآيات لعمتهم السعادة في دنياهم، ولنالوا رضا الله ومثوبته في أخراهم.وبعد هذه الصورة المشرقة التي ساقها القرآن عن النفقة والمنفقين أتبعها بصورة مضادة لها وهي صورة الربا والمرابين. ومن مظاهر التضاد والتباين بين الصورتين أن الصدقة بذل للمال في وجوه الخير بدون عوض ينتظره المتصدق، أما الربا فهو إخراج المال في وجوه الاستغلال لحاجة المحتاج مع ضمان استرداده ومعه زيادة محرمة. وأن الصدقة نتيجتها الرخاء والنماء والطهارة للمال، وشيوع روح المحبة والتعامل والتكامل والاطمئنان بين أفراد المجتمع، أما الربا فنتيجته محق البركة من المال، وشيوع روح التقاطع والتحاسد والتباغض والخوف بين الناس.
46