سورة البقرة (2): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة البقرة بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تنوير المقباس من تفسير ابن عباس (عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة البقرة مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة البقرة

سورة البقرة في القرآن الكريم

سورة البقرة هي ثاني سورة من سور القرآن الكريم، وتتألف من 286 آية. تعتبر سورة البقرة من أطول السور في القرآن الكريم، وتحتوي على مواضيع متنوعة تتعلق بالعقيدة والشريعة والأخلاق والتشريعات الاجتماعية.

تتضمن سورة البقرة العديد من الحكم والأوامر الإلهية التي تهدف إلى توجيه الإنسان في حياته وتربيته على القيم الإسلامية. كما تحتوي على قصص وأمثال تعبر عن الحكمة والعبرة للمؤمنين.

من بين المواضيع الرئيسية التي تتناولها سورة البقرة هي الإيمان والتوحيد، والشريعة والأحكام الشرعية، والأخلاق والتربية، والتاريخ الإسلامي والقصص القرآنية.

يعتبر قراءة سورة البقرة والتفكير في مضمونها من الأمور المهمة في الحياة اليومية للمسلم، حيث تحتوي على توجيهات ونصائح تساعد على تحسين الحياة الروحية والاجتماعية.

بالإضافة إلى ذلك، يعتقد الكثيرون أن قراءة سورة البقرة تحمي المنزل وأهله من الشرور والأذى، وتجلب البركة والرزق.

سُورَةُ البَقَرَةِ
الصفحة 44 (آيات من 260 إلى 264)

وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِۦمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِى كُلِّ سُنۢبُلَةٍ مِّا۟ئَةُ حَبَّةٍ ۗ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُ ۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَآ أَنفَقُوا۟ مَنًّا وَلَآ أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۞ قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى ۗ وَٱللَّهُ غَنِىٌّ حَلِيمٌ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تُبْطِلُوا۟ صَدَقَٰتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلْأَذَىٰ كَٱلَّذِى يُنفِقُ مَالَهُۥ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ ۖ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُۥ وَابِلٌ فَتَرَكَهُۥ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَىْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا۟ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْكَٰفِرِينَ
44

الاستماع إلى سورة البقرة

تفسير سورة البقرة (تنوير المقباس من تفسير ابن عباس: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي)

الترجمة الإنجليزية

Waith qala ibraheemu rabbi arinee kayfa tuhyee almawta qala awalam tumin qala bala walakin liyatmainna qalbee qala fakhuth arbaAAatan mina alttayri fasurhunna ilayka thumma ijAAal AAala kulli jabalin minhunna juzan thumma odAAuhunna yateenaka saAAyan waiAAlam anna Allaha AAazeezun hakeemun

معطوف على قوله : { أو كالذي مر على قرية } [ البقرة : 259 ] ، فهو مثال ثالث لقضية قوله : { الله ولي الذين آمنوا } [ البقرة : 257 ] الآية ومثال ثان لقضية { أو كالذي مر على قرية } فالتقدير : أو هو كإبراهيم إذ قال رب أرني إلخ . فإنّ إبراهيم لفرط محبته الوصول إلى مرتبة المعاينة في دليل البعث رام الانتقال من العلم النظري البرهاني ، إلى العلم الضروري ، فسأل الله أن يريه إحياء الموتى بالمحسوس .وانتصب { كيف } هنا على الحال مجردةً عن الاستفهام ، كانتصابها في قوله تعالى : { هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء } [ آل عمران : 6 ] .وقوله : { أولم تؤمن } الواو فيه واو الحال ، والهمزة استفهام تقريري على هذه الحالة ، وعامل الحال فعل مقدر دل عليه قوله : { أرني } والتقدير : أأرِيك في حال أنّك لم تؤمن ، وهو تقرير مجازي مراد به لفت عقله إلى دفع هواجس الشك ، فقوله : { بلى ولكن ليطمئن قلبي } كلام صدر عن اختباره يقينَه وإلفائه سالماً من الشك .وقوله : { ليطمئن قلبي } معناه لينبت ويتحقّق علمي وينتقل من معالجة الفكر والنظر إلى بساطة الضرورة بيقين المشاهدة وانكشاف المعلوم انكشافاً لا يحتاج إلى معاودة الاستدلال ودفع الشُبه عن العقل ، وذلك أنّ حقيقة يَطمئن يسكن ، ومصدره الاطمئنان ، واسم المصدر الطُّمَأنِينَة ، فهو حقيقة في سكون الأجسام ، . وإطلاقه على استقرار العلم في النفس وانتفاء معالجة الاستدلال أصله مجاز بتشبيه التردّد وعلاج الاستدلال بالاضطراب والحركة ، وشاع ذلك المجاز حتى صار مساوياً للحقيقة ، يقال اطمأنّ بَالَهُ واطمأنّ قلبه .والأظهر أنّ اطمأن وزنه افعلَلَ وأنّه لا قلب فيه ، فالهمزة فيه هي لام الكلمة والميم عين الكلمة ، وهذا قول أبي عمرو وهو البيِّن إذ لا داعي إلى القلب ، فإنّ وقوع الهمزة لا ما أكثر وأخف من وقوعها عيناً ، وذهب سيبويه إلى أنّ اطْأمَنّ مقلوب وأصله اطْمَأنّ وقد سمع طَمْأنْتُه وطَأْمَنْتُه وأكثر الاستعمال على تقديم الميم على الهمزة ، والذي أوجب الخلاف عدم سماع المجرد منه إذ لم يسمع طَمَن .والقلبُ مراد به العلم إذ القلب لا يضطرب عند الشك ولا يتحرك عند إقامة الدليل وإنّما ذلك للفكر ، وأراد بالاطمئنان العلم المحسوس وانشراح النفس به وقد دلّه الله على طريقة يرى بها إحياء الموتى رأي العين .وقوله : { فخذ أربعة من الطير } اعلم أنّ الطير يطلق على الواحد مرادفاً لطائر؛ فإنّه من التسمية بالمصدر وأصلها وصف فأصلها الوحدة ، ولا شك في هذا الإطلاق ، وهو قول أبي عبيدة والأزهري وقُطرب ولا وجه للترّدد فيه ، ويطلق على وجمعه أيضاً وهو اسم جمع طائر كصحْب وصاحب ، وذلك أنّ أصله المصدر والمصدر يجري على الواحد وعلى الجمع .وجيء بمن للتبعيض لدلالة على أنّ الأربعة مختلفة الأنواع ، والظاهر أنّ حكمة التعدّد والاختلاف زيادة في تحقّق أنّ الإحياء لم يكن أهون في بعض الأنواع دون بعض ، فلذلك عدّدت الأنواع ، ولعلّ جعلها أربعة ليكون وضعُها على الجهات الأربع : المشرق والمغرب والجنوب والشمال لئلاّ يظنّ لبعض الجهات مزيد اختصاص بتأتي الإحياء ، ويجوز أنّ المراد بالأربعة أربعة أجزاء من طير واحد فتكون اللام للعهد إشارة إلى طير حاضر ، أي خذ أربعة من أجزائه ثم ادعهنّ ، والسعي من أنواع المشي لا من أنواع الطيران ، فجعل ذلك آية على أنَّهنّ أعيدت إليهن حياة مخالفة للحياة السابقة ، لئلا يظن أنّهن لم يمتن تماماً .وذكر كل جبل يدل على أنّه أمر بجعل كل جزء من أجزاء الطير على جبل لأنّ وضعها على الجبال تقوية لتفرق تلك الأجزاء؛ فإنها فرقت بالفصل من أجسادها وبوضعها في أمكنة متباعدة وعسِرة التناول .والجبل قطعة عظيمة من الأرض ذات حجارة وتراب ناتئة تلك القطعة من الأرض المستوية ، وفي الأرض جبال كثيرة متفاوتة الارتفاع ، وفي بعضها مساكن للبشر مثل جبال طيِّء ، وبعضها تعتصم به الناس من العدوّ كما قال السَّمَوْأل: ... لنا جبل يحتلّه من نجيرهمنيع يردّ الطَّرفَ وهو كليل ... ومعنى { صرهنّ } أدنِهن أو أيلهن يقال صاره يصُوره ويصيره بمعنًى وهو لفظ عربي على الأصح وقيل معرب ، فعن عكرمة أنّه نبطي ، وعن قتادة هو حبشي ، وعن وهب هو رومي ، وفائدة الأمر بإدنائها أن يتأمل أحوالها حتى يعلم بعد إحيائها أنّها لم ينتقل جزء منها عن موضعه .وقوله : { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً } عطف على محذوف دلّ عليه قوله { جزءاً } لأن تجزئتهن إنّما تقع بعد الذبح . فالتقدير فاذبحهن ثم اجعل إلخ .وقرأ الجمهور { فصُرهن } بضم الصاد وسكون الراء من صاره يُصوره ، وقرأ حمزة وأبو جعفر وخلف ورويس عن يعقوب { فصِرهن } بكسر الصاد من صار يصير لغة في هذا الفعل .وقرأ الجمهور { جُزْءاً } بسكون الزاي وقرأه أبو بكر عن عاصم بضم الزاي ، وهما لغتان .

الترجمة الإنجليزية

Mathalu allatheena yunfiqoona amwalahum fee sabeeli Allahi kamathali habbatin anbatat sabAAa sanabila fee kulli sunbulatin miatu habbatin waAllahu yudaAAifu liman yashao waAllahu wasiAAun AAaleemun

عود إلى التحريض على الإنفاق في سبيل الله ، فهذا المثَل راجع إلى قوله : { يأيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم } [ البقرة : 254 ] . وهو استئناف بياني لأنّ قوله : { من قبللِ أن يأتي يوم لا بيع فيه } [ البقرة : 254 ] الآية يثير في نفوس السامعين الاستشراف لما يلقاه المنفق في سبيل الله يومئذ بعد أن أعقب بدلائل ومواعظ وعبر وقد تهيّأت نفوس السامعين إلى التمحّض لهذا المقصود فأطيل الكلام فيه إطالة تناسب أهميته .وقوله : { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله } تشبيه حال جزائهم وبركتهم ، والصلة مؤذنة بأنّ المراد خصوص حال إنفاقهم بتقدير مَثَلُ نفقةِ الدين . وقد شبه حالُ إعطاء النفقة ومصادفتها موقعها وما أعطي من الثواب لهم بحال حبَّة أنبتت سبع سنابل إلخ ، أي زُرعت في أرض نقية وتراب طيّب وأصابها الغيث فأنبتت سبع سنابل . وحذف ذلك كله إيجازاً لظهور أنّ الحبّة لا تنبت ذلك إلاّ كذلك ، فهو من تشبيه المعْقول بالمحسوس والمشبه به هيأة معلومة ، وجعل أصل التمثيل في التضعيف حبّة لأنّ تضعيفها من ذاتها لا بشيء يزاد عليها ، وقد شاع تشبيه المعروف بالزرع وتشبيه الساعي بالزارع ، وفي المثل «رُب ساع لقاعد وزَارع غيرِ حاصد» . ولما كانت المضاعفة تنسب إلى أصل وحدة ، فأصل الوحدة هنا هي ما يثيبُ الله به على الحسنات الصغيرة ، أي ما يقع ثواباً على أقلّ الحسنات كمن همّ بحسنة فلم يعملها ، فإنّه في حسنة الإنفاق في سبيل الله يكون سبعمائة ضعف . `قال الواحدي في أسباب النزول وغيرُه : إنّ هذه الآية نزلت في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف؛ ذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد الخروج إلى غزوة تبوك حث الناس على الإنفاق في سبيل الله . وكان الجيشُ يومئذ بحاجة إلى الجهاز وهو جيش العُسْرة فجاءه عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف ، وقال عثمان بن عفان : «عَلَيّ جهاز من لا جهاز له» فجَهّز الجيش بألف بعير بأقْتَابها وأحْلاسِهَا وقيل جاء بألف دينار ذهباً فصبّها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلمومعنى قوله : { والله يضعاف لمن يشاء } أنّ المضاعفة درجات كثيرة لا يعلمها إلاّ الله تعالى؛ لأنّها تترتّب على أحوال المتصدّق وأحوال المتصدّق عليه وأوقات ذلك وأماكنه . وللإخلاص وقصد الامتثال ومحبة الخير للناس والإيثار على النفس وغير ذلك مما يحفّ بالصدقة والإنفاق ، تأثير في تضعيف الأجر ، والله واسع عليم .

الترجمة الإنجليزية

Allatheena yunfiqoona amwalahum fee sabeeli Allahi thumma la yutbiAAoona ma anfaqoo mannan wala athan lahum ajruhum AAinda rabbihim wala khawfun AAalayhim wala hum yahzanoona

وأعاد قوله : { الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله } إظهاراً للاهتمام بهذه الصلة . وقوله : { ثم لا يتبعون } جاء في عطفه بشم مع أنّ الظاهر أن يعطف بالواو ، قال في «الكشاف» : «لإظهار التفاوت بين الإنفاق وترك المنّ والأذى ، وإنّ تركهما خير من نفس الإنفاق»؛ يعني أنّ ثم للترتيب الرتبي لا للمهلة الزمنية ترفيعاً لرتبة ترك المنّ والأذى على رتبة الصدقة؛ لأنّ العطاء قد يصدر عن كرم النفس وحبّ المحمدة فللنفوس حظّ فيه مع حظّ المعطَى ، بخلاف ترك المنّ والأذى فلا حظ فيه لِنفس المعطي؛ فإنّ الأكثر يميلون إلى التبجّح والتطاول على المعطَى ، فالمهلة في ( ثم ) هنا مجازية؛ إذ شُبِّه حصول الشيء المهم في عزّة حصوله بحصول الشيء المتأخّر زمنه ، وكأنّ الذي دعا الزمخشري إلى هذا أنّه رأى معنى المهلة هنا غير مراد لأنّ المراد حصول الإنفاق وترك المنّ معاً .والمنّ أصله الإنعام والفضل ، يقال مَنّ عليه مَنَّا ، ثم أطلق على عدّ الإنعام على المنعَم عليه ، ومنه قوله تعالى : { ولا تمنن تستكثر } [ المدثر : 6 ] ، وَهو إذا ذُكر بعد الصدقة والعطاء تعيّن للمعنى الثاني .وإنّما يكون المنّ في الإنفاق في سبيل الله بالتطاول على المسلمين والرياء بالإنفاق ، وبالتطاول على المجاهدين الذين يُجَهِّزهم أو يَحْملهم ، وليس من المنّ التمدّح بمواقف المجاهد في الجهاد أو بمواقف قومِه ، فقد قال الحُريش بن هلال القريعي يذكر خَيْله في غزوة فتح مكة ويوم حنين :شَهِدنَ مع النبي مُسَوّمَاتٍ ... حُنينا وهْيَ دَاميَةُ الحَوامِيووقْعَةَ خالدٍ شَهِدَت وحَكَّتْ ... سَنَابِكَها علَى البَلَد الحَرَامِوقال عباس بن مرداس يتمدّح بمواقع قومه في غزوة حنين :حَتَّى إذا قال النبيءُ محمدٌ ... أبَنِي سُلَيْممٍ قَدْ وَفَيْتُم فأرجِعواعُدْنَا ولَوْلاَ نَحْنُ أحْدَقَ جَمْعَهُمْ ... بالمُسْلمين وأحرَزُوا مَا جَمَّعواوالأذى هو أن يؤذي المنفِق من أنفق عليه بإساءة في القول أو في الفعل قال النابغة :عليّ لِعمروٍ نعمة بعد نعمة ... لوالده ليست بذات عقاربفالمقصد الشرعي أن يكون إنفاق المنفق في سبيل الله مراداً به نصر الدين ولا حظّ للنفس فيه ، فذلك هو أعلى درجات الإنفاق وهو الموعود عليه بهذا الأجر الجزيل ، ودون ذلك مراتب كثيرة تتفاوت أحوالها .

الترجمة الإنجليزية

Qawlun maAAroofun wamaghfiratun khayrun min sadaqatin yatbaAAuha athan waAllahu ghaniyyun haleemun

تخلُّص من غرض التنويه بالإنفاق في سبيل الله إلى التنويه بضرب آخر من الإنفاق وهو الإنفاق على المحاويج من الناس ، وهو الصدقات . ولم يتقدم ذكر للصدقة إلاّ أنّها تخطر بالبال عند ذكر الإنفاق في سبيل الله ، فلما وصف الإنفاق في سبيل الله بصفة الإخلاص لله فيه بقوله : { الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما انفقوا } [ البقرة : 262 ] الآية انتقل بمناسبة ذلك إلى طرد ذلك الوصف في الإنفاق على المحتاجين؛ فإنّ المنّ والأذى في الصدقة أكثر حُصولاً لكون الصدقة متعلّقة بأشخاص معيّنين ، بخلاف الإنفاق في سبيل الله فإن أكثر من تنالهم النفقة لا يعلمهم المنفِق .فالمنّ على المتصدّق عليه هو تذكيره بالنعمة كما تقدم آنفاً .ومن فقرات الزمخشري في «الكَلِم النَّوابغ» : «طَعْمُ الآلاء أحْلى من المنّ . وهوَ أمَرُّ من الآلاء عند المنّ» الآلاء الأول النعم والآلاء الثاني شَجر مُر الورق ، والمنّ الأول شيء شِبْه العسل يقع كالنَّدَى على بعض شجر بادية سِينا وهو الذي في قوله تعالى : { وأنزلنا عليكم المن والسلوى } [ البقرة : 57 ] ، والمنّ الثاني تذكير المنَعم عليه بالنعمة .والأذى الإساءة والضرّ القليل للمنعم عليه قال تعالى : { لن يضروكم إلا أذى } [ آل عمران : 111 ] ، والمراد به الأذى الصريح من المنعِم للمنعم عليه كالتطاول عليه بأنّه أعطاه ، أو أن يتكبّر عليه لأجل العطاء ، بله تعيِيره بالفقر ، وهو غير الأذى الذي يحصل عند المن . وأشار أبو حامد الغزالي في كتاب الزكاة من «الإحياء» إلى أنّ المنّ له أصل ومغرس وهو من أحوال القلب وصفاته ، ثم تتفرّع عليه أحوال ظاهرة على اللسان والجوارح . ومنبع الأذى أمران : كراهية المعطي إعطاءَ ماله وشدّةُ ذلك على نفسه ورؤيتُه أنّه خير من الفقير ، وكلاهما منشؤهُ الجهل؛ فإنّ كراهية تسليم المال حمق لأنّ من بذل المال لطلب رضا الله والثواب فقد علم أنّ ما حصل له من بذل المال أشرف ممّا بذله ، وظنَه أنّه خير من الفقير جهل بِخطر الغنَى ، أي أنّ مراتب الناس بما تتفاوت به نفوسهم من التزكية لا بعوارض الغنى والفقر التي لا تنشأ عن درجات الكمال النفساني .ولما حذّر الله المتصدّق من أن يؤذي المتصدّق عليه عُلِم أنّ التحذير من الإضرار به كشتمه وضربه حاصلٌ بفحوى الخطاب لأنّه أوْلى بالنهي .أوْسع اللَّهُ تعالى هذا المقام بيَاناً وترغيباً وزجراً بأساليب مختلفة وتفنّنات بديعة فنّبهنا بذلك إلى شدّة عناية الإسلام بالإنفاق في وجوه البرّ والمعُونة .وكيف لا تكون كذلك وقوام الأمة دوران أموالها بينها ، وإنّ من أكبر مقاصد الشريعة الانتفاع بالثروة العامة بين أفراد الأمة على وجوه جامعة بين رعْي المنفعة العامة ورعي الوجدان الخاص ، وذلك بمراعاة العدل مع الذي كدّ لجمع المال وكسبه ، ومراعاةِ الإحسان للذي بطَّأ به جُهده ، وهذا المقصد من أشرف المقاصد التشريعية .ولقد كان مقدار الإصابة والخطإ فيه هو ميزان ارتقاء الأمم وتدهورها ، ولا تجد شريعة ظهرت ولا دعاة خير دعَوا إلاّ وهم يجعلون لتنويل أفراد الأمة حَظاً من الأموال التي بين أيدي أهل الثروة وموضعاً عظيماً من تشريعهم أو دعوتهم ، إلاّ أنّهم في ذلك متفاوتون بين مقارب ومقصِّر أو آمِل ومُدَبِّر ، غير أنّك لا تجد شريعة سدّدت السهم لهذا الغرض . وعرفت كيف تفرق بين المستحبّ فيه والمفتَرض . ومثل هذه الشريعة المباركة ، فإنّها قد تصرّفت في نظام الثروة العامة تصرّفاً عجيباً أقامته على قاعدة توزيع الثروة بين أفراد الأمة ، وذلك بكفاية المحتاج من الأمة مؤونة حاجته ، على وجوه لا تحرم المكتسب للمال فائدة اكتسابه وانتفاعه به قبل كل أحد .فأول ما ابتدأت به تأمين ثقة المكتسب بالأمن على ماله من أن ينتزعه منه مُنتزع إذ قال تعالى : { يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } [ النساء : 29 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع : « إن دماءَكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا » سمع ذلك منه مائة ألف نفس أو يزيدون وتناقلوه في آفاق الإسلام حتى بلغ مبلغ التواتر ، فكان من قواعد التشريع العامة قاعدة حفظ الأموال لا يستطيع مسلم إبطالها .وقد أتْبعت إعلان هذه الثقةِ بحفظ الأموال بتفاريع الأحكام المتعلّقة بالمعاملات والتوثيقات ، كمشروعية الرهن في السلف والتوثّق بالإشهاد كما تُصرّح به الآيات الآتية وما سوى ذلك من نصوص الشريعة تنصيصاً واستنباطاً .ثم أشارت إلى أنّ من مقاصدها ألاّ تبقى الأموال متنقّلة في جهة واحدة أو عائلة أو قبيلة من الأمة بل المقصد دورانها بقوله تعالى في آية الفيء : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فللَّه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كَيْلا يكون دُولةً بين الأغنياء منكم } [ الحشر : 7 ] ، فضمير يكون عائد إلى ما أفاء الله باعتبار كونه مالاً أي كيلا يكون المال دُولة . والدُّولة ما يتداوله الناس من المال ، أي شرْعنا صرفه لمن سمّيناهم دون أن يكون لأهل الجيش حق فيه ، لينال الفقراءُ منه حظوظهم فيصبحوا أغنياء فلا يكون مُدالاً بين طائفة الأغنياء كما كانوا في الجاهلية يأخذ قادتهم المِرْبَاع ويأخذ الغزاة ثلاثة الأرباع فيبقى المال كله لطائفة خاصة .ثم عمدت إلى الانتزاع من هذا المال انتزاعاً منظّماً فجعلت منه انتزاعاً جبرياً بعضه في حياة صاحب المال وبعضه بعد موته . فأما الذي في حياته فهو الصدقات الواجبة ، ومنها الزكاة ، وهي في غالب الأحوال عشر المملوكات أو نصف عشرها أو ربع عشرها . وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم وجه تشريعها بقوله لمعاذ بن جبل حين أرسله إلى اليمن« إن الله فرض عليهم زكاة تُؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم » وجعل توزيع ما يتحصّل من هذا المال لإقامة مصالح الناس وكفاية مؤن الضعفاء منهم ، فصاروا بذلك ذوي حق في أموال الأغنياء ، غير مهينين ولا مهددّين بالمنع والقساوة . والتفت إلى الأغنياء فوعدهم على هذا العطاء بأفضل ما وُعد به المحسنون ، من تسميته قرضاً لله تعالى ، ومن توفير ثوابه ، كما جاءت به الآيات التي نحن بصدد تفسيرها .ويلحق بهذا النوع أخذ الخمس من الغنيمة مع أنّها حق المحاربين ، فانتزع منهم ذلك وقال لهم : { واعلموا أنّ ما غنمتم من شيء فإنّ للَّه خمسه وللرسول } إلى قوله { إن كنتم آمنتم بالله } [ الأنفال : 41 ] فحَرضهم على الرضا بذلك ، ولا شك أنّه انتزعه من أيدي الذين اكتسبوه بسيوفهم ورماحهم . وكذلك يلحق به النفقات الواجبة غير نفقة الزوجة لأنّها غير منظور فيها إلى الانتزاع إذ هي في مقابلة تألُّف العائلة ، ولا نفقةِ الأولاد كذلك لأنّ الداعي إليها جبلِيّ . أما نفقة غير البنين عند من يوجب نفقة القرابة فهي من قسم الانتزاع الواجب ، ومن الانتزاع الواجب الكفارات في حنث اليمين ، وفطر رمضان ، والظهار ، والإيلاء ، وجزاء الصيد . فهذا توزيع بعض مال الحي في حياته .وأما توزيع المال بعد وفاة صاحبه فذلك ببيان فرائض الإرث على وجه لا يقبل الزيادة والنقصان . وقد كان العرب يعطون أموالهم لمن يحبّون من أجنبي أو قريب كما قدمنا بيانه في قوله : { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت } ( 180 ) ، وكان بعض الأمم يجعل الإرث للأكبر .وجعل توزيع هذه الفرائض على وجه الرحمة بالناس أصحاب الأموال ، فلم تعط أموالهم إلاّ لأقرب الناس إليهم ، وكان توزيعه بحسب القرب كما هو معروف في مسائل الحجب من الفرائض ، وبحسب الأحوجية إلى المال ، كتفضيل الذكر على الأنثى لأنّه يعول غيره والأنثى يعولها غيرها . والتفت في هذا الباب إلى أصحاب الأموال فترك لهم حقّ التصرّف في ثلث أموالهم يعينون من يأخذه بعد موتهم على شرط ألاّ يكون وارثاً ، حتى لا يتوسلوا بذلك إلى تنفيل وارث على غيره .وجعلت الشريعة من الانتزاع انتزاعاً مندوباً إليه غير واجب ، وذلك أنواع المواساة بالصدقات والعطايا والهدايا والوصايا وإسلاف المعسر بدون مراباة وليس في الشريعة انتزاع أعيان المملوكات من الأصول فالانتزاع لا يعدو انتزاع الفوائد بالعدالة والمساواة .وجملة { قول معروف } إلى آخرها مستأنفة استئنافاً بيانياً . وتنكير { قول معروف } للتقليل ، أي أقَلُّ قول معروف خير من صدقة يتبعها أذى . والمعروف هو الذي يعرفه الناس ، أي لا ينكرونه . فالمرَاد به القول الحسن وهو ضدّ الأذى .والمغفرة هنا يراد بها التجاوز عن الإساءة أي تجاوز المتصدق عن الملحّ أو الجافي في سؤاله إلحاحَهُ أو جفاءهُ مثل الذي يسأل فيقول : أعطني حقّ الله الذي عندك أو نحو ذلك ، ويراد بها أيضاً تجاوز الله تعالى عن الذنوب بسبب تلك الصدقة إذا كان معها قول معروف ، وفي هذا تعْريض بأنّ الأذى يوشك أنْ يبطل ثواب الصدقة .وقوله : { والله غني حليم } تذييل للتذكير بصفتين من صفات الله تعالى ليتخلّق بهما المؤمنون وهما : الغِنَى الراجع إليه الترفّع عن مقابلة العطية بما يبرد غليل شحّ نفس المعطي ، والحلمُ الراجع إليه العفو والصفح عن رعونة بعض العُفاة .

الترجمة الإنجليزية

Ya ayyuha allatheena amanoo la tubtiloo sadaqatikum bialmanni waalatha kaallathee yunfiqu malahu riaa alnnasi wala yuminu biAllahi waalyawmi alakhiri famathaluhu kamathali safwanin AAalayhi turabun faasabahu wabilun fatarakahu saldan la yaqdiroona AAala shayin mimma kasaboo waAllahu la yahdee alqawma alkafireena

والإبطال جعل الشيء باطلاً أي زائلاً غير نافع لما أُريدَ منه . فمعنى بطلان العمل عدم ترتّب أثره الشرعي عليه سواء كان العمل واجباً أم كان متطوّعاً به ، فإن كان العمل واجباً فبطلانه عدم إِجزائه بحيث لا تبرأ ذمة المكلّف من تكليفه بذلك العمل وذلك إذا اختلّ ركن أو شرط من العمل . وإن كان العمل متطوّعاً به رجع البطلان إلى عدم الثواب على العمل لمانع شرعي من اعتبار ثوابه وهو المراد هنا جمعاً بين أدلة الشريعة .وقوله : { كالذي ينفق ماله رئاء الناس } الكاف ظرف مستقر هو حال من ضمير تبطلوا ، أي لا تكونوا في إتْبَاع صدقاتكم بالمنّ والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس وهو كافر لا يؤمن بالله واليوم الآخر ، وإنّما يعطي ليراه الناس وذلك عطاء أهل الجاهلية .فالموصول من قوله : { كالذي ينفق ماله } مراد به جنس وليس مراد به جنس وليس مراد به معَيّناً ولا واحداً ، والغرض من هذا التشبيه تفظيع المشبّه به وليس المراد المماثلة في الحكم الشرعي ، جمعاً بين الأدلة الشرعية .والرئاء بهمزتين فِعال مِن رأى ، وهو أن يُكثر من إظهار أعماله الحسنة للناس ، فصيغة الفعال فيه للمبالغة والكثرة ، وأَولى الهمزتين أصلية والأخيرة مبدلة عن الياء بعد الألف الزائدة ، ويقال رياء بياء بعد الراء على إبدال الهمزة ياء بعد الكسرة .والمعنى تشبيه بعض المتصدّقين المسلمين الذين يتصدّقون طلباً للثواب ويعقبون صدقاتهم بالمَنّ والأذى ، بالمنفقين الكافرين الذين ينفقون أموالهم لا يطلبون من إنفاقها إلاّ الرئاء والمدحة إذ هم لا يتطلّبون أجر الآخرة .ووجه الشبه عدم الانتفاع مِمَّا أعطوا بأزيدَ من شفاء ما في صدورهم من حبّ التطاول على الضعفاء وشفاء خُلق الأذى المتطبعين عليه دون نفع في الآخرة .ومُثّل حال الذي ينفق ماله رئاء الناس المشبِه به تمثيلاً يسري إلى الذين يُتبعون صدقاتهم بالمنّ والأذى بقوله : { فمثله كمثل صفوان } إلخ وضمير مثله عائد إلى الذي ينفق ماله رئاء للناس ، لأنّه لما كان تمثيلاً لحال المشبّه به كان لا محالة تمثيلاً لحال المشبّه ، ففي الكلام ثلاثة تشبيهات .مثَّل حال الكافر الذي ينفق ماله رئاء الناس بحال صفوان عليه تراب يغشيه ، يعني يَخاله الناظر تربة كريمة صالحة للبذر ، فتقدير الكلام عليه تراب صالحٌ للزرع فحذفت صفة التراب إيجازاً اعتماداً على أنّ التراب الذي يرقب الناس أن يصيبه الوابل هو التراب الذي يبذرون فيه ، فإذا زرعه الزارع وأصابه وابل وطمع الزارع في زكاء زرعه ، جرفه الماء من وجه الصفوان فلم يترك منه شيئاً وبقي مكانُه صلداً أملس فخاب أمل زارعه .وهذا أحسن وأدّق من أن نجعل المعنى تمثيل إنفاق الكافر بحال تراب على صفوان أصابه وابل فجرفه ، وأنّ وجه الشبه هو سرعة الزوال وعدم القرار كقوله تعالى : { مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف } [ إبراهيم : 18 ] فإنّ مورد تلك الآية مقام آخر .ولك أن تجعل كاف التشبيه في قوله تعالى : { كالذي ينفق ماله } صفة لمصدر محذوف دل عليه ما في لفظ صدقاتهم من معنى الإنفاق وحذف مضاف بين الكاف وبين اسم الموصول ، والتقدير إنفاقاً كإنفاق الذي ينفق ماله رئاء الناس .وقد روعي في هذا التمثيل عكس التمثيل لمن ينفق مالَه في سبيل الله بحبّة أغَلَّتْ سبعمائة حَبَّة .فالتشبيه تشبيه مركب معقول بمركب محسوس . ووجه الشبه الأمل في حالة تغر بالنفع ثم لا تلبث ألاّ تأتي لآملها بما أمَّله فخاب أمله . ذلك أنّ المؤمنين لا يخلون من رجاء حصول الثواب لهم من صدقاتهم ، ويكثر أن تعرض الغفلة للمتصدّق فيُتبع صدقته بالمنّ والأذى اندفاعاً مع خواطر خبيثة .وقوله : { لا يقدرون على شيء مما كسبوا } أوقع موقعاً بديعاً من نظم الكلام تنهال به معاننٍ كثيرة فهو بموقعه كان صالحاً لأن يكون حالاً من الذي ينفق ماله رئاء الناس فيكون مندرجاً في الحالة المشبّهة ، وإجراء ضمير كسبوا ضمير جمع لتأويل الذي ينفق بالجماعة ، وصالحاً لأن يكون حالاً من مثل صفوان باعتبار أنّه مثل على نحو ما جوّز في قوله تعالى : { أوكصيب من السماء } [ البقرة : 19 ] إذ تقديره فيه كمثل ذوي صيّب فلذلك جاء ضميره بصيغة الجمع رعياً للمعنى وإن كان لفظ المعاد مفرداً ، وصالحاً لأن يجعل استينافاً بيانياً لأنّ الكلام الذي قبله يثير سؤال سائل عن مغبة أمر المشبّه ، وصالحاً لأن يجعل تذييلاً وفذلكة لضرب المثل فهو عود عن بدء قوله : { لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى } [ البقرة : 264 ] إلى آخر الكلام .وصالحاً لأن يجعل حالاً من صفوان أي لا يقدرون على شيء ممّا كسبوا منه وحذف عائد الصلة لأنّه ضمير مجرور بما جرّ به اسم الموصول . ومعنى { لا يقدرون } لا يستطيعون أن يسترجعوه ولا انتفعوا بثوابه فلم يبق لهم منه شيء .ويجوز أن يكون المعنى لا يحسنون وضع شيء ممّا كسبوا موضعه ، فهم يبذلون ما لهم لغير فائدة تعود عليهم في آجلهم ، بدليل قوله : { الله لا يهدي القوم الكافرين } .والمعنى فتركه صلداً لا يحصدون منه زرعاً كما في قوله : { فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها } [ الكهف : 42 ] .وجملة { والله لا يهدي القوم الكافرين } تذييل والواو اعتراضية وهذا التذييل مسوق لتحذير المؤمنين من تسرّب أحوال الكافرين إلى أعمالهم فإنّ من أحوالهم المنّ على من ينفقون وأذاه .
44