سورة الأعراف (7): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة الأعراف بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة الأعراف مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة الأعراف

سُورَةُ الأَعۡرَافِ
الصفحة 171 (آيات من 160 إلى 163)

وَقَطَّعْنَٰهُمُ ٱثْنَتَىْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا ۚ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ إِذِ ٱسْتَسْقَىٰهُ قَوْمُهُۥٓ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ ۖ فَٱنۢبَجَسَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۚ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْغَمَٰمَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا۟ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٰكُمْ ۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓا۟ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ ٱسْكُنُوا۟ هَٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ وَكُلُوا۟ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا۟ حِطَّةٌ وَٱدْخُلُوا۟ ٱلْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيٓـَٰٔتِكُمْ ۚ سَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ ٱلَّذِى قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُوا۟ يَظْلِمُونَ وَسْـَٔلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِى كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِى ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا۟ يَفْسُقُونَ
171

الاستماع إلى سورة الأعراف

تفسير سورة الأعراف (تفسير الوسيط لطنطاوي: محمد سيد طنطاوي)

الترجمة الإنجليزية

WaqattaAAnahumu ithnatay AAashrata asbatan omaman waawhayna ila moosa ithi istasqahu qawmuhu ani idrib biAAasaka alhajara fainbajasat minhu ithnata AAashrata AAaynan qad AAalima kullu onasin mashrabahum wathallalna AAalayhimu alghamama waanzalna AAalayhimu almanna waalssalwa kuloo min tayyibati ma razaqnakum wama thalamoona walakin kanoo anfusahum yathlimoona

قوله وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً أى: فرقنا قوم موسى وصيرناهم اثنتي عشرة أمة تتميز كل أمة عن الأخرى.والأسباط في بنى إسرائيل كالقبائل في العرب. والسبط: ولد الولد فهو كالحفيد. وقد يطلق السبط على الولد.وكان بنو إسرائيل اثنتي عشرة قبيلة من اثنى عشر ولدا هم أولاد يعقوب- عليه السلام- قالوا: والظاهر أن قطعناهم متعد لواحد لأنه لم يضمن معنى ما يتعدى لاثنين، فعلى هذا يكون اثنتي عشرة حالا من مفعول قَطَّعْناهُمُ وهو ضمير الغائبين «هم» .ويرى الزمخشري وغيره أن «قطعناهم» بمعنى صيرناهم وأن اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مفعول ثان، وتمييز اثنتي محذوف لفهم المعنى والتقدير وقطعناهم اثنتي عشرة فرقة.وأَسْباطاً بدل من ذلك التمييز، وأُمَماً بدل بعد بدل من اثنتي عشرة.والجملة الكريمة معطوفة على ما قبلها من أخبار بنى إسرائيل، لمشاركتها لها في كل ما يقصد به من العظات والعبر.وقوله: وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً.الاستسقاء: طلب السقيا عند عدم الماء أو حبس المطر. وذلك عن طريق الدعاء لله- تعالى- في خشوع واستكانة، وقد سأل موسى- عليه السلام- ربه أن يسقى بنى إسرائيل الماء بعد أن استبد بهم العطش بعد ما كانوا في التيه.فعن ابن عباس أنه قال: كان ذلك في التيه ضرب لهم موسى الحجر فصار منه اثنتا عشرة عينا من ماء لكل سبط منهم عين يشربون منها» .وقيل: كان الاستسقاء في البرية ولكن الآثار التي تدل على أنه كان في التيه أصح وأكثر.والمعنى: وأوحينا إلى موسى حين طلب منه قومه الماء أن اضرب بعصاك الحجر فضربه فخرج منه الماء من اثنتي عشرة عينا ليروا بأعينهم مظاهر قدرتنا، وليشاهدوا دليلا من الأدلة المتعددة التي تؤيد موسى في أنه صادق فيما يبلغه عن ربه- عز وجل.وقوله إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ يفيد أن الذي سأل ربه السقيا هو موسى وحده، لتظهر كرامته لدى ربه عند قومه، وليشاهدوا بأعينهم كيف أن الله- تعالى- قد أكرمه حيث أجاب دعاءه ففجر لهم الماء من الحجر.وال في الْحَجَرَ لتعريف الجنس، أى: اضرب أى حجر شئت بدون تعيين، وقيل للعهد، ويكون المراد حجرا معينا معروفا لموسى- عليه السلام- بوحي من الله- تعالى- وقد أورد بعض المفسرين في ذلك آثارا حكم عليها المحققون من العلماء بالضعف، ولذا لم نعتد بها.والذي نرجحه أن «أل» هنا لتعريف الجنس، لأن انفجار الماء من أى حجر بعد ضربه أظهر في إقامة البرهان على صدق موسى- عليه السلام- وأدعى لإيمان بنى إسرائيل وانصياعهم للحق بعد وضوحه، وأبعد عن التشكيك في إكرام الله لنبيه موسى، إذ لو كان انفجار الماء من حجر معين لأمكن أن يقولوا إن انفجار الماء منه لمعنى خاص بهذا الحجر، وليس لكرامة موسى عند ربه- عز وجل-.والفاء في قوله فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً معطوفة على محذوف والتقدير: فضرب فانبجست..قال بعضهم: والانبجاس والانفجار واحد. يقال بجست الماء أبجسه فانبجس، بمعنى فجرته فانفجر.وقيل: إن الانبجاس خروج الماء من مكان ضيق بقلة، والانفجار خروجه بكثرة.ولا تنافى بين قوله- تعالى- في سورة البقرة فَانْفَجَرَتْ وبين قوله هنا فَانْبَجَسَتْ لأنه انبجس أولا ثم انفجر ثانيا. وكذا العيون يظهر الماء منها قليلا ثم يكثر لدوام خروجه.وكانت العيون اثنتي عشرة عينا بحسب عدد أسباط بنى إسرائيل إتماما للنعمة عليهم حتى لا يقع بينهم تنازع أو تشاجر.وقوله قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ إرشاد وتنبيه إلى حكمة الانقسام إلى اثنتي عشرة عينا.أى: قد عرف كل سبط من أسباط بنى إسرائيل مكان شربه فلا يتعداه إلى غيره، وفي ذلك ما فيه من استقرار أمورهم، واطمئنان نفوسهم، وعدم تعدى بعضهم على بعض.ثم ذكر- سبحانه- نعما أخرى مما أنعم به عليهم فقال: وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ.الغمام: جمع غمامة وهي السحابة: وخصه بعض علماء اللغة بالسحاب الأبيض.أى: وسخرنا لبنى إسرائيل الغمام بحيث يلقى عليهم ظله ليقيهم من حر الشمس.وقوله وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى معطوف على ما قبله.والمن: اسم جنس لا واحد له من لفظه، وهو- على أرجح الأقوال- مادة صمغية تسقط من الشجر تشبه حلاوته حلاوة العسل.والسلوى: اسم جنس جمعى واحدته سلواة، وهو طائر برى لذيذ اللحم، سهل الصيد يسمى بالسمانى، كانت تسوقه لهم ريح الجنوب كل مساء فيمسكونه قبضا بدون تعب.وتظليلهم بالغمام وإنزال المن والسلوى عليهم كان في مدة تيههم بين مصر والشام المشار إليه بقوله- تعالى-: قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ.أين الطعام؟ فأنزل الله عليهم المن فكان ينزل على شجر الزنجبيل والسلوى وهو طائر يشبه السمانى فكان يأتى أحدهم فينظر إلى الطير فإن كان سمينا ذبحه وإلا أرسله، فإذا سمن أتاه، فقالوا: هذا الطعام فأين الشراب؟ فأمر الله موسى أن يضرب بعصاه الحجر فضربه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا فشرب كل سبط من عين. فقالوا: هذا الشراب فأين الظل! فظلل الله عليهم بالغمام فقالوا: هذا الظل فأين اللباس؟ فكانت ثيابهم تطول معهم كما تطول الصبيان ولا يتمزق لهم ثوب فذلك قوله- تعالى- وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى.وقوله كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ أى: وقلنا لهم كلوا من طيبات ما رزقناكم، واشكروا ربكم على هذه النعم لكي يزيدكم منها.وقوله: وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ معطوف على محذوف أى: فعصوا أمر ربهم وكفروا بهذه لنعم الجليلة وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.ويرى البعض أنه لا حاجة إلى هذا التقدير، وأن جملة وَما ظَلَمُونا معطوفة على ما قبلها لأنها مثلها في أنها من أحوال بنى إسرائيل.والتعبير عن ظلمهم لأنفسهم بكلمة «كانوا» والفعل المضارع «يظلمون» يدل على أن ظلمهم لأنفسهم كان يتكرر منهم، لأنك لا تقول في ذم إنسان «كان يسيء إلى الناس» إلا إذا كانت الإساءة تصدر منه المرة تلو الأخرى.قال ابن جرير عند تفسيره لهذه الجملة الكريمة ما ملخصه: «هذا من الذي استغنى بدلالة ظاهره على ما ترك منه وذلك أن معنى الكلام: كلوا من طيبات ما رزقناكم فخالفوا ما أمرناهم به، وعصوا ربهم، ثم رسولنا إليهم وما ظلمونا» فاكتفى بما ظهر عما ترك. وقوله:وَما ظَلَمُونا أى: ما ظلمونا بفعلهم ذلك ومعصيتهم، وما وضعوا فعلهم ذلك وعصيانهم إيانا موضع مضرة علينا ومنقصة لنا، ولكنهم وضعوه من أنفسهم موضع مضرة عليها ومنقصة لها. فان الله- تعالى- لا تضره معصية عاص، ولا يتحيف خزائنه ظلم ظالم ولا تنفعه طاعة مطيع، ولا يزيد في ملكه عدل عادل، لنفسه يظلم الظالم، وحظها يبخس العاصي، وإياها ينفع المطيع، وحظها يصيب العادل» .

الترجمة الإنجليزية

Waith qeela lahumu oskunoo hathihi alqaryata wakuloo minha haythu shitum waqooloo hittatun waodkhuloo albaba sujjadan naghfir lakum khateeatikum sanazeedu almuhsineena

وقوله- تعالى- وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً ... إلخ. تذكير لهم بصفة جليلة مكنوا منها فما أحسنوا قبولها، وما رعوها حق رعايتها، وهي نعمة تمكينهم من دخول بيت المقدس ونكولهم عن ذلك.قال الآلوسى: وقوله وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ معمول لفعل محذوف تقديره: اذكر. وإيراد الفعل هنا مبينا للمفعول جريا على سنن الكبرياء «مع الإيذان بأن الفاعل غنى عن التصريح. أى:أذكر لهم وقت قولنا لأسلافهم» .والقرية هي البلدة المشتملة على مساكن، والمراد بها هنا بيت المقدس- على الراجح- وقيل المراد بها أريحاء.والحطة: كجلسة: اسم للهيئة، من الحط بمعنى الوضع والإنزال، وأصله إنزال الشيء من علو. يقال: استحطه وزره: سأله أن يحطه عنه وينزله.وهي خبر مبتدأ محذوف أى: مسألتنا حطة، والأصل فيها النصب بمعنى: حط عنا ذنوبنا حطة، وإنما رفعت لتعطى معنى الثبات.والمعنى: واذكروا أيها المعاصرون للعهد النبوي من بنى إسرائيل وقت أن قيل لأسلافكم اسكنوا قرية بيت المقدس بعد خروجهم من التيه، وقيل لهم كذلك كلوا من خيراتها أكلا واسعا، واسألوا الله أن يحط عنكم ذنوبكم، وادخلوا من بابها خاضعين خاشعين شكرا لله على نعمه، فإنكم إن فعلتم ذلك غفرنا لكم خطيئاتكم.وقوله- تعالى- وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ فيه إشعار بكمال النعمة عليهم واتساعها وكثرتها، حيث أذن لهم في التمتع بثمرات القرية وأطعمتها من أى مكان شاءوا.وقوله: وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً إرشاد لهم إلى ما يجب عليهم عمله نحو خالقهم، وتوجههم إلى ما يعينهم على بلوغ غاياتهم بأيسر الطرق وأسهل السبل لأن كل ما كلفهم الله- تعالى- به أن يضرعوا إليه بأن يحط عنهم خطيئاتهم، وأن يدخلوا من باب المدينة التي فتحها الله عليهم مخبتين.وقوله نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ مجزوم في جواب الأمر.وهذه الجملة الكريمة بيان للثمرة التي تترتب على طاعتهم وخضوعهم لخالقهم وإغراء لهم على الامتثال والشكر- ولو كانوا يعقلون- لأن غاية ما يتمناه العقلاء هو غفران الذنوب.وقوله- تعالى- سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ وعد بالزيادة من خيرى الدنيا والآخرة لمن أسلم وجهه لله وهو محسن.وقد أمر الله- تعالى- أن يفعلوا ذلك، وأن يقولوا هذا القول، لأن تغلبهم على أعدائهم نعمة من أجل النعم التي تستدعى منهم الشكر الجزيل لله- تعالى-. ولهذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يظهر أقصى درجات الخضوع، وأسمى ألوان الشكر عند النصر والظفر وبلوغ المطلوب، فعند ما تم له فتح مكة دخل إليها من الثنية العليا وهو خاضع لربه، حتى إن رأسه الشريف ليكاد يمس عنق ناقته شكرا لله على نعمة الفتح، وبعد دخوله مكة اغتسل وصل ثماني ركعات سماها بعض الفقهاء صلاة الفتح.ومن هنا استحب العلماء للفاتحين من المسلمين إذا فتحوا بلدة أن يصلوا فيها ثماني ركعات عند أول دخولها شكرا لله، وقد فعل ذلك سعد بن أبى وقاص عند ما دخل إيوان كسرى. فقد ثبت أنه صلى بداخله ثماني ركعات.ولكن ماذا كان من بنى إسرائيل بعد أن أتم الله لهم نعمة الفتح.

الترجمة الإنجليزية

Fabaddala allatheena thalamoo minhum qawlan ghayra allathee qeela lahum faarsalna AAalayhim rijzan mina alssamai bima kanoo yathlimoona

لقد حكى القرآن ما كان منهم من جحود وبطر فقال: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ.قال صاحب الكشاف: «أى وضعوا مكان حطة قولا غيرها، يعنى أنهم أمروا بقول معناه التوبة والاستغفار فخالفوه إلى قول ليس معناه معنى ما أمروا به، ولم يمتثلوا أمر الله، وليس الغرض أنهم أمروا بلفظ بعينه وهو لفظ الحطة فجاءوا بلفظ آخر، لأنهم لو جاءوا بلفظ آخر مستقل بمعنى ما أمروا به لم يؤخذوا به، كما لو قالوا مكان حطة نستغفرك ونتوب إليك، أو اللهم اعف هنا وما أشبه ذلك» .وقال الإمام ابن كثير: «وحاصل ما ذكره المفسرون وما دل عليه السياق أنهم بدلوا أمر الله لهم من الخضوع بالقول والفعل. فقد أمروا أن يدخلوا الباب سجدا فدخلوا يزحفون على أستاههم رافعي رؤوسهم. وأمروا أن يقولوا حطة- أى احطط عنا ذنوبنا- فاستهزأوا وقالوا حنطة في شعيرة. وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة ولهذا أنزل الله بهم بأسه وعذابه بفسقهم وخروجهم عن طاعته» .وأخرج البخاري عن أبى هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «قيل لبنى إسرائيل ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة فبدلوا ودخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا. حبة في شعيرة» .والعبرة التي تؤخذ من هذه الجملة الكريمة أن من أمره الله- تعالى بقول أو فعل فتركه وأتى بآخر لم يأذن به الله دخل في زمرة الظالمين، وعرض نفسه لسوء المصير.وقوله- تعالى- فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ تصريح بأن ما أصابهم من عذاب كان نتيجة عصيانهم وتمردهم وجحودهم لنعم الله.والرجز: هو العذاب، سواء أكان بالأمراض المختلفة أو بغيرها.وفي النص على أن الرجز قد أتاهم من السماء إشعار بأنه عذاب لا يمكن دفعه، وأنه لم يكن له سبب أرضى من عدوى أو نحوها، بل رمتهم به الملائكة من جهة السماء فأصيب به الذين ظلموا دون غيرهم.هذا وقد وردت في سورة البقرة آيتان تشبهان في ألفاظهما هاتين الآيتين اللتين معنا هنا في سورة الأعراف، أما آيتا سورة البقرة فهما قوله- تعالى-:وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ، نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ. فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ.وقد عقد الإمام الرازي مقارنة بين أسلوب الآيتين في كل من السورتين فقال ما ملخصه:إن ألفاظ الآيتين في سورة الأعراف تخالف ألفاظ آيتي سورة البقرة من وجوه:الأول: أنه قال- سبحانه- في سورة البقرة: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وهنا قال:وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية.الثاني: أنه قال في سورة البقرة: فَكُلُوا بالفاء، وقال هنا وَكُلُوا بالواو.الثالث: أنه قال في سورة البقرة: رَغَداً وهذه الكلمة غير مذكورة هنا.الرابع: أنه قال في سورة البقرة: وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ وقال هنا على التقديم والتأخير.الخامس: أنه قال في سورة البقرة: نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وقال هاهنا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ.السادس: أنه قال في سورة البقرة: وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ وهاهنا حذف حرف الواو.السابع: أنه قال في سورة البقرة: فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا وقال هاهنا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ.الثامن: أنه قال في سورة البقرة: بِما كانُوا يَفْسُقُونَ وقال هاهنا بِما كانُوا يَظْلِمُونَ.واعلم أن هذه الألفاظ متقاربة ولا منافاة بينها البتة، ويمكن ذكر فوائد هذه الألفاظ المختلفة من وجوه.الأول: وهو أنه قال في سورة البقرة ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وقال هاهنا اسكنوا، فالفرق أنه لا بد من دخول القرية أولا ثم سكناها ثانيا.الثاني: أنه هناك قال فَكُلُوا بالفاء وهنا بالواو. والفرق أن الدخول حالة مخصوصة، فإنه إنما يكون داخلا في أول دخوله، وأما ما بعد ذلك فيكون سكونا لا دخولا، إذا ثبت هذا فنقول: الدخول حالة منقضية زائلة وليس لها استمرار فلا جرم أن يحسن ذكر فاء التعقيب بعده، فلهذا قال: ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا وأما السكون فحالة مستمرة باقية فيكون الأكل حاصلا معه لا عقيبه، فظهر الفرق.وأما الثالث: وأنه ذكر هناك رَغَداً ولم يذكره هنا، فالفرق أن الأكل عقيب دخول القرية يكون ألذ، لأن الحاجة إلى ذلك الأكل كانت أكمل وأتم، ولما كان الأمر كذلك ذكر كلمة «رغدا» وأما الأكل حال سكون القرية فالظاهر أنه لا يكون في محل الحاجة الشديدة ولم تكن اللذة فيه متكاملة. فلا جرم ترك قوله رَغَداً فيه.وأما الرابع: وهو قوله هناك وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ وهنا على العكس،فالمراد التنبيه على أنه لا منافاة في ذلك، لأن المقصود هو تعظيم أمر الله وإظهار الخضوع والخشوع له، فلم يتفاوت الحال بحسب التقديم والتأخير.وأما الخامس: وهو أنه قال هناك خَطاياكُمْ وقال هنا خَطِيئاتِكُمْ فهو إشارة إلى أن هذه الذنوب سواء كانت قليلة أو كثيرة فهي مغفورة عند الإتيان بهذا التضرع والدعاء.وأما السادس: وهو قوله هناك وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ بالواو، وقال هنا سَنَزِيدُ بحذفها، فالفائدة في حذف الواو أنه تعالى وعد بشيئين: بالغفران وبالزيادة للمحسنين من الثواب وإسقاط الواو لا يخل بذلك لأنه استئناف مرتب على تقدير قول القائل ماذا بعد الغفران فقيل:إنه سيزيد المحسنين.وأما السابع: وهو الفرق بين أنزلنا وبين أرسلنا، فلأن الإنزال لا يشعر بالكثرة والإرسال يشعر بها. فكأنه- سبحانه- بدأ بإنزال العذاب القليل ثم جعله كثيرا.وأما الثامن: فهو الفرق بين قوله هناك يَفْسُقُونَ وقوله هنا يَظْلِمُونَ فذلك لأنهم موصوفون بكونهم ظالمين لأجل أنهم ظلموا أنفسهم، وبكونهم فاسقين لأجل أنهم خرجوا عن طاعة الله. فالفائدة في ذكر هذين الوصفين التنبيه على حصول هذين الأمرين منهم.ثم قال: فهذا ما خطر بالبال في ذكر فوائد هذه الألفاظ المختلفة، وتمام العلم بها عند الله- تعالى-» .وبذلك تكون الآيات الكريمة قد بينت أن بنى إسرائيل مكنوا من النعمة فنفروا منها، وفتحت لهم أبواب الخير فأبوا دخولها، فكانت عاقبتهم أن محقت النعم من بين أيديهم، وسلط الله عليهم عذابا شديدا من عنده بسبب ظلمهم وفسوقهم عن أمره.وفي ذلك إثارة لحسرة اليهود المعاصرين للعهد النبوي على ما ضاع من أسلافهم بسبب انتهاكهم لحرمات الله وتحذير لهم من سلوك طريق آبائهم حتى لا يصيبهم ما أصابهم من عذاب أليم.ثم تحدث القرآن بعد ذلك عن رذيلة أخرى من رذائل بنى إسرائيل الكثيرة، وهي تحايلهم على استحلال محارم الله بسبب جهلهم وجشعهم وضعف إرادتهم.وذلك أن الله- تعالى- أخذ عليهم عهدا بأن يتفرغوا لعبادته في يوم السبت، وحرم عليهم الاصطياد فيه دون سائر الأيام، واختبارا منه- سبحانه- لإيمانهم ووفائهم بعهودهم أرسل إليهم الحيتان في يوم السبت دون غيره، فكانت تتراءى لهم على الساحل في ذلك اليوم، قريبة المأخذ، سهلة الاصطياد.وهنا سال لعاب شهواتهم ومطامعهم وفكروا في حيلة لاصطياد هذه الحيتان في يوم السبت فقالوا: لا مانع من أن نحفر إلى جانب ذلك البحر الذي يزخر بالأسماك في يوم السبت أحواضا تناسب إليها المياه ومعها الأسماك، ثم نترك هذه الأسماك محبوسة في الأحواض في يوم السبت- لأنها لا تستطيع الرجوع إلى البحر لضآلة الماء الذي في الأحواض. ثم نصطادها بعد ذلك في غير يوم السبت، وبذلك نجمع بين احترام ما عهد إلينا في يوم السبت وبين ما تشتهيه أنفسنا من الحصول على تلك الأسماك.ولقد نصحهم الناصحون بأن عملهم هذا هو احتيال على محارم الله، وأن حبس الحيتان في الأحواض هو صيد لها في المعنى، وهو فسوق عن أمر الله ونقض لعهوده.ولكنهم لجهلهم واستيلاء المطامع على نفوسهم لم يعبئوا بنصح الناصحين بل نفذوا حيلتهم الشيطانية، فغضب الله عليهم ومسخهم قردة، وجعلهم عبرة لمن عاصرهم ولمن أتى بعدهم وموعظة للمتقين.واستمع إلى سورة الأعراف وهي تحكى لنا هذه القصة بأسلوبها البليغ فتقول:

الترجمة الإنجليزية

Waisalhum AAani alqaryati allatee kanat hadirata albahri ith yaAAdoona fee alssabti ith tateehim heetanuhum yawma sabtihim shurraAAan wayawma la yasbitoona la tateehim kathalika nabloohum bima kanoo yafsuqoona

قوله- تعالى- وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ ... إلخ. معطوف على اذكر المقدر في قوله- تعالى-: وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا. والخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم وضمير الغيبة للمعاصرين له من اليهود.أى: سل يا محمد هؤلاء اليهود المعاصرين لك كيف كان حال أسلافهم الذين تحايلوا على استحلال محارم الله فإنهم يجدون أخبارهم في كتبهم ولا يستطيعون كتمانها.والمقصود من سؤالهم تقريعهم على عصيانهم، لعلهم أن يتوبوا ويرجعوا إلى الحق، ولا يعرضوا أنفسهم لعقوبات كالتي نزلت بسابقيهم، وتعريفهم بأن هذه القصة من علومهم المعروفة لهم والتي لا يستطيعون إنكارها، والتي لا تعلم إلا بكتاب أو وحى، فإذا أخبرهم بها النبي الأمى الذي لم يقرأ كتابهم كان ذلك معجزة له. ودليلا على أنه نبي صادق موحى إليه بها.قال الإمام ابن كثير عند تفسيره للآية الكريمة: (أى واسأل- يا محمد- هؤلاء اليهود الذين بحضرتكم عن قصة أصحابهم الذين خالفوا أمر الله ففاجأتهم نقمته على اعتدائهم واحتيالهم في المخالفة، وحذر هؤلاء من كتمان صفتك التي يجدونها في كتبهم «لئلا يحل بهم ما حل بإخوانهم وسلفهم وهذه القرية هي «أيلة» وهي على شاطئ بحر القلزم، أى- البحر الأحمر-) .وقال الإمام القرطبي: وهذا سؤال تقرير وتوبيخ، وكان ذلك علامة لصدق النبي صلّى الله عليه وسلّم إذ أطلعه الله على تلك الأمور من غير تعلم وكانوا يقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه، لأنا من سبط إسرائيل. ومن سبط موسى كليم الله، ومن سبط ولده عزير فنحن أولادهم، فقال الله- عز وجل- لنبيه سلهم- يا محمد- عن القرية. أما عذبتهم بذنوبهم، وذلك بتغيير فرع من فروع الشريعة .وجمهور المفسرين على أن المراد بهذه القرية. قرية (أيلة) التي تقع بين مدين والطور، وقيل هي قرية طبرية، وقيل هي مدين.ومعنى كونها حاضِرَةَ الْبَحْرِ: قريبة منه، مشرفة على شاطئه، تقول كنت بحضرة الدار أى قريبا منها.وقوله إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ أى يظلمون ويتجاوزون حدود الله- تعالى- بالصيد في يوم السبت ويعدون بمعنى يعتدون، يقال: عدا فلان الأمر واعتدى إذا تجاوز حده.وقوله تعالى إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً، وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ بيان لموضع الاختبار والامتحان.وإِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ ظرف ليعدون. وحيتان جمع حوت وهو السمك الكبير. وشرعا:أى: شارعة ظاهرة على وجه الماء. جمع شارع، من شرع عليه إذا دنا وأشرف وكل شيء دنا من شيء فهو شارع، وقوله: شرعا حال من الحيتان.والمعنى: إذ تأتيهم حيتانهم في وقت تعظيمهم ليوم السبت ظاهرة على وجه الماء دانية من القرية بحيث يمكنهم صيدها بسهولة، فإذا مر يوم السبت وانتهى لا تأتيهم كما كانت تأتيهم فيه، ابتلاء من الله- تعالى- لهم.قال ابن عباس: (اليهود أمروا باليوم الذي أمرتم به، وهو يوم الجمعة، فتركوه واختاروا السبت فابتلاهم الله- تعالى- به، وحرم عليهم الصيد فيه، وأمرهم بتعظيمه، فإذا كان يوم السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر، فإذا انقضى السبت ذهبت وما تعود إلا في السبت المقبل، وذلك بلاء ابتلاهم الله به، فذلك معنى قوله تعالى وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ .وقال الإمام القرطبي: (وروى في قصص هذه الآية أنها كانت في زمن داود- عليه السلام- وأن إبليس أوحى إليهم فقال إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت، فاتخذوا الحياض، فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم السبت فتبقى فيها، فلا يمكنها الخروج منها لقلة الماء.فيأخذونها يوم الأحد) .وقوله تعالى كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ معناه: بمثل هذا الابتلاء، وهو ظهور السمك لهم في يوم السبت، واختفائه في غيره نبتليهم ونعاملهم معاملة من يختبرهم، لينالوا ما يستحقونه من عقوبة بسبب فسقهم وتعديهم حدود ربهم، وتحايلهم القبيح على شريعتهم، فقد جرت سنة الله بأن من أطاعه سهل له أمور دنياه، وأجل له ثواب أخراه، ومن عصاه أخذه أخذ عزيز مقتدر.
171