سورة الأعراف (7): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة الأعراف بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة الأعراف مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة الأعراف

سُورَةُ الأَعۡرَافِ
الصفحة 159 (آيات من 68 إلى 73)

أُبَلِّغُكُمْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّى وَأَنَا۠ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ ۚ وَٱذْكُرُوٓا۟ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِنۢ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِى ٱلْخَلْقِ بَصْۜطَةً ۖ فَٱذْكُرُوٓا۟ ءَالَآءَ ٱللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ قَالُوٓا۟ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ ٱللَّهَ وَحْدَهُۥ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَا ۖ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ۖ أَتُجَٰدِلُونَنِى فِىٓ أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَٰنٍ ۚ فَٱنتَظِرُوٓا۟ إِنِّى مَعَكُم مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ فَأَنجَيْنَٰهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا ۖ وَمَا كَانُوا۟ مُؤْمِنِينَ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَٰلِحًا ۗ قَالَ يَٰقَوْمِ ٱعْبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُۥ ۖ قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ هَٰذِهِۦ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ ءَايَةً ۖ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِىٓ أَرْضِ ٱللَّهِ ۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوٓءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
159

الاستماع إلى سورة الأعراف

تفسير سورة الأعراف (تفسير الوسيط لطنطاوي: محمد سيد طنطاوي)

الترجمة الإنجليزية

Oballighukum risalati rabbee waana lakum nasihun ameenun

وبعد هذا الرد القبيح منهم، أخذ هود يدافع عن نفسه ويبين لهم وظيفته بأسلوب حكيم فقال: يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ أى: ليس بي أى نوع من أنواع السفاهة كما تزعمون وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ.فأنت ترى أن هودا في هذا الرد الحكيم على قومه، قد نفى عن نفسه تهمة السفاهة كما نفى أخوه نوح من قبله عن نفسه تهمة الضلالة، ثم بين لهم بعد ذلك وظيفته وطبيعة رسالته، ثم أخبرهم بعد ذلك بمقتضى أخوته لهم ليس معقولا أن يكذب عليهم أو يخدعهم- فإن الرائد لا يكذب أهله-، وإنما هو ناصح أمين يهديهم إلى ما يصلحهم ويبعدهم عما يسوءهم:قال صاحب الكشاف: «وفي إجابة الأنبياء- عليهم السلام- على من نسبهم إلى الضلالة والسفاهة بما أجابوهم به من الكلام الصادر عن الحلم والإغضاء، وترك المقابلة بما قالوا لهم، مع علمهم بأن خصومهم أضل الناس وأسفههم- في إجابتهم هذه أدب حسن، وخلق عظيم، وحكاية الله- عز وجل- ذلك، تعليم لعباده كيف يخاطبون السفهاء، وكيف يغضون عنهم ويسبلون أذيالهم على ما يكون منهم» .

الترجمة الإنجليزية

AwaAAajibtum an jaakum thikrun min rabbikum AAala rajulin minkum liyunthirakum waothkuroo ith jaAAalakum khulafaa min baAAdi qawmi noohin wazadakum fee alkhalqi bastatan faothkuroo alaa Allahi laAAallakum tuflihoona

ونلمس من خلال التعبير القرآنى أن قوم هود قد تعجبوا من اختصاص هود بالرسالة كما تعجب قوم نوح من قبلهم من ذلك، فأخذ هود- عليه السلام- في إزالة هذا العجب من نفوسهم، فقال:أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ أى: أكذبتم وعجبتم من أن جاءكم ذكر وموعظة من ربكم على لسان رجل منكم تعرفون صدقه ونسبه وحسبه، إن ما عجبتم له ليس موقع عجب، بل هو عين الحكمة فقد اقتضت رحمة الله أن يرسل لعباده من بينهم من يرشدهم إلى الطريق القويم واللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ.ثم أخذ في تذكيرهم بواقعهم الذي يعيشون فيه لكي يحملهم على شكر الله فقال:وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ أى: اذكروا بتأمل واعتبار فضل الله عليكم ونعمه حيث جعلكم مستخلفين في الأرض من بعد قوم نوح الذين أغرقوا بالطوفان لكفرهم وجحودهم.قال الآلوسى ما ملخصه: و «إذ» منصوب على المفعولية لقوله: وَاذْكُرُوا أى: اذكروا هذا الوقت المشتمل على النعم الجسام. وتوجيه الأمر بالذكر إلى الوقت دون ما وقع فيه مع أنه المقصود بالذات للمبالغة في إيجاب ذكره، ولأنه إذا استحضر الوقت كان هو حاضرا بتفاصيله.وهو معطوف على مقدر كأنه قيل: لا تعجبوا وتدبروا في أمركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح» .ثم ذكرهم بنعمة ثانية فقال: وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً أى: زادكم في المخلوقات بسطة وسعة في الملك والحضارة، أو زادكم بسطة في قوة أبدانكم وضخامة أجسامكم، ومن حق هذا الاستخلاف وتلك القوة، أن تقابلا بالشكر لله رب العالمين.وقد ذكر بعض المفسرين روايات تتعلق بضخامة أجسام قوم هود وقوتهم وهي روايات ضعيفة لا يعتد بها، ولذا أضربنا عنها، ويكفينا أن القرآن الكريم قد أشار إلى قوتهم وجبروتهم بدون تفصيل لذلك كما في قوله- تعالى-: وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ وكما في قوله:كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ.ثم كرر هود- عليه السلام- تذكيرهم بنعم الله فقال: فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. أى: فاذكروا نعم الله واشكروها له لعلكم تفوزون بما أعده للشاكرين من إدامتها عليهم وزيادتها لهم، ولن تكونوا كذلك إلا بعبادتكم له وحده- عز وجل-.وآلاء الله: نعمه الكثيرة. والآلاء جمع إلى كحمل وأحمال. أو ألى، كقفل وأقفال. أو إلى، كمعى وأمعاء.وإلى هنا يكون هود- عليه السلام- قد رد على قومه ردا مقنعا حكيما، كان المتوقع من ورائه أن يستجيبوا له، وأن يقبلوا على دعوته، ولكنهم لسوء تفكيرهم وانطماس بصيرتهم، أخذتهم العزة بالإثم فماذا قالوا لنبيهم ومرشدهم؟.

الترجمة الإنجليزية

Qaloo ajitana linaAAbuda Allaha wahdahu wanathara ma kana yaAAbudu abaona fatina bima taAAiduna in kunta mina alssadiqeena

قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ.أى: قالوا له على سبيل الإنكار والاستهزاء: أجئتنا يا هود لأجل أن نعبد الله وحده، ونترك ما كان يعبد آباؤنا من الأوثان والأصنام إن هذا لن يكون منا أبدا فأتنا بما تعدنا به من العذاب ان كنت من الصادقين فيما تخبر به.وننظر في هذا الرد من قوم هود فنراه طافحا بالتهور والتحدي والاستهزاء واستعجال العذاب.حتى لكأن هودا- عليه السلام- يدعوهم إلى منكر لا يطيقون سماعه ولا يصبرون على الجدل فيه!!.أليس هو يدعوهم إلى وحدانية الله وإفراده بالعبادة وترك ما كان يعبد آباؤهم، وهذا في زعمهم أمر منكر لا يطيقون الصبر عليه.وهكذا يستحوذ الشيطان على قلوب بعض الناس وتفكيرهم فيصور لهم الحسنات في صورة سيئات، والسيئات في صورة حسنات.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى المجيء في قوله: أَجِئْتَنا، قلت فيه أوجه:أن يكون لهود- عليه السلام- مكان معتزل عن قومه يتحنث فيه كما كان يفعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحراء قبل المبعث، فلما أوحى إليه جاء قومه يدعوهم. وأن يريدوا به الاستهزاء، لأنهم كانوا يعتقدون أن الله- تعالى- لا يرسل إلا الملائكة، فكأنهم قالوا: أجئتنا من السماء كما يجيء الملك. وأنهم لا يريدون حقيقة المجيء. ولكن التعريض بذلك والقصد كما يقال: ذهب يشتمني ولا يراد حقيقة الذهاب، كأنهم قالوا أقصدتنا لنعبد الله وحده وتعرضت لنا بتكليف ذلك» .وقولهم: فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ يدل على أنه كان يتوعدهم بالعذاب من الله. إذا استمروا على شركهم، ويدل- أيضا- على تصميمهم على الكفر، واحتقارهم لأمر هود- عليه السلام- واستعجالهم إياه بالعقوبة على سبيل التحدي، لأنهم كانوا يتوهمون أن العقوبة لن تقع عليهم أبدا.وإزاء هذا التحدي السافر من قوم هود له ولدعوته ولوعيد الله لهم، ما كان من هود- عليه السلام- إلا أن جابههم بالرد الحاسم الذي تتجلى فيه الشجاعة التامة، والثقة الكاملة بأن الله سينصره عليهم وينتقم له منهم.

الترجمة الإنجليزية

Qala qad waqaAAa AAalaykum min rabbikum rijsun waghadabun atujadiloonanee fee asmain sammaytumooha antum waabaokum ma nazzala Allahu biha min sultanin faintathiroo innee maAAakum mina almuntathireena

قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أى: قال هود لقومه بعد أن لجوا في طغيانهم: قد حق ووجب عليكم من قبل ربكم عذاب وسخط بسبب إصراركم على الكفر والعناد.والرجس والرجز بمعنى، وأصل معناه الاضطراب يقال: رجست السماء أى: رعدت رعدا شديدا، وهم في مرجوسة من أمرهم أى: في اختلاط والتباس. ثم شاع في العذاب لاضطراب من حل به.وعبر عن العذاب المتوقع وقوعه بأنه قَدْ وَقَعَ مبالغة في تحقيق الوقوع، وأنه أمر لا مفر لهم منه.وعطف الغضب على الرجس، للإشارة إلى ما سينزل بهم من عذاب هو انتقام لا يمكن دفعه، لأنه صادر من الله الذي غضب عليهم بسبب كفرهم، وبعد أن أنذرهم هددهم بوقوع العذاب عليهم، ووبخهم على مجادلتهم إياه بدون علم فقال: أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ؟أى: أتجادلوني وتخاصمونى في شأن أشياء ما هي إلا أسماء ليس تحتها مسميات، لأنكم تسمونها آلهة مع أن معنى الإلهية فيها معدوم ومحال وجوده إذ المستحق للعبادة إنما هو الله الذي خلق كل شيء، أما هذه الأصنام التي زعمتم أنها آلهة فهي لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا.فأنت ترى أن هودا- عليه السلام- قد حول آلهتهم إلى مجرد أسماء لا تبلغ أن تكون شيئا وراء الاسم الذي يطلق عليها، وهذا أعمق في الإنكار عليهم، والاستهزاء بعقولهم.وقوله: ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ أى: ما نزل الله بها من حجة أو دليل يؤيد زعمكم في ألوهيتها أو في كونها شفعاء لكم عند الله، وإنما هي أصنام باطلة قلدتم آباءكم في عبادتها بدون علم أو تفكير.ثم هدد بالعاقبة المقررة المحتومة فقال: فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ أى: فانتظروا نزول العذاب الذي استعجلتموه وطلبتموه حين قلتم فَأْتِنا بِما تَعِدُنا فإنى معكم من المنتظرين لما سيحل بكم بسبب شرككم وتكذيبكم.

الترجمة الإنجليزية

Faanjaynahu waallatheena maAAahu birahmatin minna waqataAAna dabira allatheena kaththaboo biayatina wama kanoo mumineena

ولم يطل انتظار هود عليهم، فقد حل بهم العقاب الذي توعدهم به سريعا ولذا قال- تعالى-: فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا الفاء فصيحة. أى: فوقع ما وقع فأنجينا هودا والذين اتبعوه في عقيدته برحمة عظيمة منا لا يقدر عليها غيرنا.وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أى: استأصلناهم عن آخرهم بالريح العقيم التي ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ.فقطع الدابر كناية عن الاستئصال والإهلاك للجميع يقال قطع الله دابره أى: أذهب أصله.وقوله: وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ عطف على كَذَّبُوا داخل معه حكم الصلة أى: أصروا على الكفر والتكذيب ولم يرجعوا عن ذلك أصلا.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما فائدة نفى الإيمان عنهم في قوله: وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ مع إثبات التكذيب بآيات الله؟ قلت: هو تعريض بمن آمن منهم- كمرثد بن سعد- ومن نجا مع هود- عليه السلام- كأنه قال: وقطعنا دابر الذين كذبوا منهم، ولم يكونوا مثل من آمن منهم ليؤذن أن الهلاك للمكذبين ونجى الله المؤمنين» .وهكذا طويت صفحة أخرى من صحائف المكذبين، وتحقق النذير في قوم هود كما تحقق قبل ذلك في قوم نوح.ثم قصت علينا السورة بعد ذلك قصة صالح- عليه السلام- مع قومه فقالت:

الترجمة الإنجليزية

Waila thamooda akhahum salihan qala ya qawmi oAAbudoo Allaha ma lakum min ilahin ghayruhu qad jaatkum bayyinatun min rabbikum hathihi naqatu Allahi lakum ayatan fatharooha takul fee ardi Allahi wala tamassooha bisooin fayakhuthakum AAathabun aleemun

هذه قصة صالح مع قومه كما حكتها سورة الأعراف، وقد وردت هذه القصة في سور أخر كسور هود والشعراء والنمل والقمر وغيرها.وصالح- كما قال الحافظ البغوي- هو ابن عبيد بن آسف بن ماسح بن عبيد ابن حاذر بن ثمود: وينتهى نسبه إلى نوح- عليه السلام-.وثمود اسم للقبيلة التي منها صالح سميت باسم جدها ثمود، وقيل سميت بذلك لقلة مائها لأن الثمد هو الماء القليل.وكانت مساكنهم بالحجر- بكسر الحاء وسكون الجيم-، والحجر مكان يقع بين الحجاز والشام إلى وادي القرى، وموقعه الآن، تقريبا- المنطقة التي بين الحجاز وشرق الأردن، وما زال المكان الذي كانوا يسكنونه يسمى بمدائن صالح إلى اليوم، وقد مر النبي صلّى الله عليه وسلّم على ديارهم وهو ذاهب إلى غزوة تبوك سنة تسع من الهجرة.وقبيلة صالح من قبائل العرب، وكانوا خلفاء لقوم هود- عليه السلام- بعد أن هلكوا فورثوا أرضهم، وآتاهم الله نعما وفيرة، وكانوا يعبدون الأصنام فأرسل إليهم نبيهم صالحا مبشرا ونذيرا.قال- تعالى-: وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ.أى: وأرسلنا إلى ثمود أخاهم في النسب والموطن صالحا- عليه السلام- فقال لهم الكلمة التي دعا بها كل نبي قومه: يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله سواه، قد جاءتكم معجزة ظاهرة الدلائل، شاهدة بنبوتي وصدقى فيما أبلغه عن ربي.وقوله: مِنْ رَبِّكُمْ متعلق بمحذوف صفة لبينة، أى هذه البينة كائنة من ربكم وليست من صنعي فعليكم أن تصدقوني لأنى مبلغ عن الله- تعالى-.ثم كشف لهم عن معجزته وحجته فقال: هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً أى: هذه التي ترونها وأشير إليها ناقة الله، والتي جعلها- سبحانه- علامة لكم على صدقى.وأضاف الناقة إلى الله للتفضيل والتخصيص والتعظيم لشأنها. وقيل: لأنه- سبحانه- خلقها على خلاف سنته في خلق الإبل وصفاتها، وقيل: لأنها لم يكن لها مالك.وقد ذكر المفسرون عنها قصصا لا تخلو من ضعف، لذا اكتفينا بما ورد في شأنها في القرآن الكريم.ثم أرشدهم إلى ما يجب عليهم نحوها فقال: فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.أى اتركوا الناقة حرة طليقة تأكل في أرض الله التي لا يملكها أحد سواه ولا تعتدوا عليها بأى لون من ألوان الاعتداء، لأنكم لو فعلتم ذلك أصابكم عذاب أليم.والفاء في قوله: فَذَرُوها للتفريع على كونها آية من آيات الله، فيجب إكرامها وعدم التعرض لها بسوء. وتَأْكُلْ مجزوم في جواب الأمر.وأضيفت الأرض إلى الله- أيضا- قطعا لعذرهم في التعرض لها، فكأنه يقول لهم، الأرض أرض الله والناقة ناقته، فذروها تأكل في أرضه لأنها ليست لكم، وليس ما فيها من عشب ونبات من صنعكم، فأى عذر لكم في التعرض لها؟وفي نهيهم عن أن يمسوها بسوء تنبيه بالأدنى على الأعلى، لأنه إذا كان قد نهاهم عن مسها بسوء إكراما لها فنهيهم عن نحرها أو عقرها أو منعها من الكلأ والماء من باب أولى. فالجملة الكريمة وعيد شديد لمن يمسها بسوء.وقوله: فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ الفعل المضارع منصوب في جواب النهى.
159