سورة يونس (10): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة يونس بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة يونس مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة يونس

سُورَةُ يُونُسَ
الصفحة 215 (آيات من 54 إلى 61)

وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِى ٱلْأَرْضِ لَٱفْتَدَتْ بِهِۦ ۗ وَأَسَرُّوا۟ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا۟ ٱلْعَذَابَ ۖ وَقُضِىَ بَيْنَهُم بِٱلْقِسْطِ ۚ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ أَلَآ إِنَّ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۗ أَلَآ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ هُوَ يُحْىِۦ وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِى ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا۟ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ قُلْ أَرَءَيْتُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلَٰلًا قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ وَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا۟ مِنْهُ مِن قُرْءَانٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَا فِى ٱلسَّمَآءِ وَلَآ أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكْبَرَ إِلَّا فِى كِتَٰبٍ مُّبِينٍ
215

الاستماع إلى سورة يونس

تفسير سورة يونس (تفسير الوسيط لطنطاوي: محمد سيد طنطاوي)

الترجمة الإنجليزية

Walaw anna likulli nafsin thalamat ma fee alardi laiftadat bihi waasarroo alnnadamata lamma raawoo alAAathaba waqudiya baynahum bialqisti wahum la yuthlamoona

ثم بين- سبحانه- أنهم لن يستطيعوا افتداء أنفسهم من العذاب عند وقوعه فقال- تعالى-: وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ.أى: ولو أن لكل نفس تلبست بالظلم بسبب شركها وفسوقها، جميع ما في الأرض من مال ومتاع، وأمكنها أن تقدمه كفداء لها من العذاب يوم القيامة، لقدمته سريعا دون أن تبقى منه شيئا حتى تفتدى ذاتها من العذاب المهين.ومفعول لَافْتَدَتْ محذوف. أى لافتدت نفسها به.ولو هنا امتناعية، أى: امتنع افتداء كل نفس ظالمة، لامتناع ملكها لما تفدى به ذاتها وهو جميع ما في الأرض من أموال، ولامتناع قبول ذلك منها فيما لو ملكته على سبيل الفرض.وقوله وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ بيان لما انتابهم من حسرات عند مشاهدتهم لأهوال العذاب المعد لهم.وأَسَرُّوا من الإسرار بمعنى الإخفاء والكتمان. يقال: أسر فلان الحديث. أى: خفض صوته به، ويقابله الإعلان والجهر، ومنه قوله- تعالى- وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.والندامة والندم: ما يجده الإنسان في نفسه من آلام وحسرات على أقوال أو أفعال سيئة، فات أوان تداركها.أى: وأخفى هؤلاء الظالمون الندامة حين رأوا بأبصارهم مقدمات العذاب، وحين أيقنوا أنهم لا نجاة لهم منه، ولا مصرف لهم عنه.قال صاحب الكشاف: «قوله- سبحانه- وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ لأنهم بهتوا لرؤيتهم ما لم يحتسبوه، ولم يخطر ببالهم، وعاينوا من شدة الأمر وتفاقمه، ما سلبهم قواهم، وبهرهم، فلم يطيقوا عنده بكاء ولا صراخا ولا ما يفعله الجازع، سوى إسرار الندم والحسرة في القلوب، كما ترى المقدم للصلب يثخنه ما دهمه من فظاعة الخطب ويغلب، حتى لا ينبس بكلمة ويبقى جامدا مبهوتا.وقيل: أسر رؤساؤهم الندامة من سفلتهم الذين أضلوهم، حياء منهم وخوفا من توبيخهم..وقيل أسروا الندامة: أظهروها من قولهم أسر الشيء إذا أظهره وليس هناك تجلد» .وقوله: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بيان لعدالة الله في أحكامه بين عباده.أى: وقضى الله- تعالى- بين هؤلاء الظالمين وبين غيرهم بالعدل دون أن يظلم أحدا.ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك ما يدل على كمال قدرته، وسعة رحمته، وعلى أنه وحده الذي يملك التحليل والتحريم، ويعلم السر وأخفى فقال- تعالى-:

الترجمة الإنجليزية

Ala inna lillahi ma fee alssamawati waalardi ala inna waAAda Allahi haqqun walakinna aktharahum la yaAAlamoona

أى: ألا إن لله وحده لا لغيره، ملك ما في السموات وما في الأرض من مخلوقات، وهو- سبحانه- يتصرف فيها وفق إرادته ومشيئته كما يتصرف المالك فيما يملكه، فهو يعطى من يشاء ويغفر لمن يشاء، ويتوب على من يشاء لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ.وقوله: أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أى: ألا إن كل ما وعد الله به الناس من ثواب وعقاب وغيرهما، ثابت ثبوتا لا ريب فيه، وواقع وقوعا لا محيص عنه.وصدرت الآية الكريمة بأداة الاستفتاح أَلا الدالة على التنبيه، لحض الغافلين عن هذه الحقيقة على التذكر والاعتبار والعودة إلى طريق الحق.وأعيد حرف التنبيه في جملة أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ لتمييزها بهذا التنبيه عن سابقتها، لأنها مقصودة بذاتها: إذ أن المشركين كانوا يظنون أن ما وعدهم به الرسول صلى الله عليه وسلم هو من باب الترغيب والترهيب وليس من باب الحقائق الثابتة.ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أى ولكن أكثر هؤلاء الناس الذين بعثت إليهم يا محمد، لا يعلمون ما جئت به علما نافعا لسوء استعدادهم، وضعف عقولهم، وخبث نفوسهم.وقال أَكْثَرَهُمْ: إنصافا للقلة المؤمنة التي علمت الحق فاتبعته وصدقته، ووقفت إلى جانب الرسول صلى الله عليه وسلم تؤيده وتفتدى دعوته بالنفس والمال.

الترجمة الإنجليزية

Huwa yuhyee wayumeetu wailayhi turjaAAoona

وقوله: هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ بيان لكمال قدرته، إثر بيان عظم ملكوته، ونفاذ وعده.أى: هو- سبحانه- الذي يحيى من يريد إحياءه ويميت من يريد إماتته وإليه وحده ترجعون جميعا، فيحاسبكم على أعمالكم، ويجازى الذين أساءوا بما عملوا، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.

الترجمة الإنجليزية

Ya ayyuha alnnasu qad jaatkum mawAAithatun min rabbikum washifaon lima fee alssudoori wahudan warahmatun lilmumineena

ثم وجه- سبحانه- نداء إلى الناس، أمرهم فيه بالانتفاع بما اشتمل عليه القرآن الكريم، من خيرات وبركات فقال- تعالى-: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ، وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ، وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ.والموعظة معناها: التذكير بالتزام الحق والخير، واجتناب الباطل والشر، بأسلوب يلين القلوب، ويرقق النفوس.والشفاء: هو الدواء الشافي من كل ما يؤذى، ويجمع على أشفيه.والهدى: هو الإرشاد والدلالة بلطف إلى ما يوصل إلى المقصد والبغية، والرحمة معناها الإحسان، أو إرادة الإحسان.والمعنى: يا أيها الناس قد جاءكم من الله- تعالى- كتاب جامع لكل ما تحتاجون اليه من موعظة حسنة ترق لها القلوب، وتخشع لها النفوس. وتصلح بها الأخلاق ومن شفاء لأمراض صدوركم. ومن هداية لكم إلى طريق الحق والخير، ومن رحمة للمؤمنين ترفعهم الى أعلى الدرجات وتكفر ما حدث منهم من سيئات.وجاء هذا الإرشاد والتوجيه عن طريق النداء، استمالة لهم إلى الحق بألطف أسلوب، وأكمل بيان، حتى يثوبوا إلى رشدهم، ويتنبهوا من غفلتهم.ووصفت الموعظة بأنها من ربكم. لتذكيرهم بما يزيدها تعظيما وقبولا، لأنها لم تصدر عن مخلوق تحتمل توجيهاته الخطأ والصواب، وإنما هي صادرة من خالق النفوس ومربيها، العليم بما يصلحها ويشفيها.وقيد الرحمة بأنها للمؤمنين، لأنهم هم المستحقون لها، بسبب إيمانهم وتقواهم.قال الآلوسى ما ملخصه: «واستدل بالآية على أن القرآن يشفى من الأمراض البدنية كما يشفى من الأمراض القلبية، فقد أخرج ابن مردويه عن أبى سعيد الخدري قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إنى اشتكى صدري، فقال- عليه الصلاة والسلام-: «اقرأ القرآن، يقول الله- تعالى- شفاء لما في الصدور» .وأخرج البيهقي في الشعب عن وائلة بن الأسفع أن رجلا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجع حلقه، فقال له: «عليك بقراءة القرآن» .وأنت تعلم أن الاستدلال بهذه الآية على ذلك مما لا يكاد يسلم، والخبر الثاني لا يدل عليه، إذ ليس فيه أكثر من أمره صلى الله عليه وسلم الشاكي بقراءة القرآن إرشادا له إلى ما ينفعه ويزول به وجعه.ونحن لا ننكر أن لقراءة القرآن بركة، قد يذهب الله بسببها الأمراض والأوجاع، وإنما ننكر الاستدلال بالآية على ذلك.والخبر الأول وإن كان ظاهرا في المقصود، لكن ينبغي تأويله، كأن يقال: لعله صلى الله عليه وسلم اطلع على أن في صدر الرجل مرضا معنويا قلبيا، قد صار سببا للمرض الحسى البدني، فأمره صلى الله عليه وسلم بقراءة القرآن ليزول عنه الأول فيزول الثاني.والحسن البصري ينكر كون القرآن شفاء للأمراض، فقد أخرج أبو الشيخ عنه أنه قال:إن الله- تعالى- جعل القرآن شفاء لما في الصدور، ولم يجعله شفاء لأمراضكم، والحق ما ذكرنا» .

الترجمة الإنجليزية

Qul bifadli Allahi wabirahmatihi fabithalika falyafrahoo huwa khayrun mimma yajmaAAoona

وقوله: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا، هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ حض للناس على اغتنام ما في تعاليم الإسلام من خيرات، وإيثارها على ما في الدنيا من شهوات.أى: قل يا محمد لمن يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة: اجعلوا فرحكم الأكبر، وسروركم الأعظم، بفضل الله الذي شرع لكم هذا الدين على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وبرحمته التي وسعت كل شيء وهي بالمؤمنين أوسع، لا بما تجمعون في هذه الدنيا من أموال زائلة ومتع فانية.وقد فسر بعضهم فضل الله ورحمته بالقرآن، ومنهم من فسر فضل الله بالقرآن، ورحمته بالإسلام. ومنهم من فسرهما بالجنة والنجاة من النار.ولعل تفسير هما بما يشمل كل ذلك أولى: لأنه لم يرد نص صحيح عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم يحدد المراد منهما، وما دام الأمر كذلك فحملهما على ما يشمل الإسلام والقرآن والجنة أولى.قال ابن كثير: قوله- تعالى- قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا أى:بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق فليفرحوا فإنه أولى مما يفرحون به من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية والذاهبة لا محالة.فعن أيفع بن عبد الكلاعى قال: لما قدم خراج العراق إلى عمر- رضى الله عنه- خرج عمر ومولى له، فجعل يعد الإبل، فإذا هي أكثر من ذلك، فجعل عمر يقول: الحمد لله- تعالى- ويقول مولاه: هذا والله من فضل الله ورحمته. فقال عمر: كذبت ليس هذا هو الذي يقول الله- تعالى- قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ .أى: ليس هذا المال هو المعنى بهذه الآية، وإنما فضل الله ورحمته يتمثل فيما جاءهم من الله- تعالى- من دين قويم، ورسول كريم، وقرآن مبين.ودخلت الباء على كل من الفضل والرحمة، للإشعار باستقلال كل منهما بالفرح به.والجار والمجرور في كل منهما متعلق بمحذوف، وأصل الكلام: قل لهم يا محمد ليفرحوا بفضل الله وبرحمته، ثم قدم الجار والمجرور على الفعل لإفادة الاختصاص، وأدخلت الفاء لإفادة السببية، فكأنه قيل: إن فرحوا بشيء فليكن بسبب ما أعطاهم الله- تعالى- من فضل ورحمة، لا بسبب ما يجمعون من زينة الحياة الدنيا.قال القرطبي: «والفرح لذة في القلب بإدراك المحبوب. وقد ذم الله الفرح في مواضع، كقوله- سبحانه- إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وكقوله إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ولكنه مطلق. فإذا قيد الفرح لم يكن ذما، لقوله- تعالى- فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وكقوله- سبحانه- هنا فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا أى بالقرآن والإسلام فليفرحوا ... » .

الترجمة الإنجليزية

Qul araaytum ma anzala Allahu lakum min rizqin fajaAAaltum minhu haraman wahalalan qul allahu athina lakum am AAala Allahi taftaroona

ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد أيضا على أولئك الذين أحلوا وحرموا على حسب أهوائهم دون أن يأذن الله لهم بذلك فقال: قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا، قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ أى: قل لهم يا محمد- أيضا- أخبرونى أيها المبدلون لشرع الله على حسب أهوائكم: إن الله- تعالى- قد أفاض عليكم ألوانا من الرزق الحلال فجئتم أنتم، وقسمتم هذا الرزق الحلال، فجعلتم منه حلالا وجعلتم منه حراما.وقد حكى الله- تعالى- فعلهم هذا في آيات متعددة، منها قوله- تعالى-: وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا .قال الإمام ابن كثير: «قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم، نزلت إنكارا على المشركين فيما كانوا يحلون ويحرمون من البحائر والسوائب والوصائل كقوله- تعالى-: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً ... الآيات.وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن أبى إسحاق، سمعت أبا الأحوص وهو عوف بن مالك بن نضلة يحدث عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا رث الهيئة فقال: هل لك مال؟ قلت: نعم. قال: من أى المال؟ قال: قلت: من كلالمال. من الإبل والرقيق والخيل والغنم. فقال: إذا آتاك الله مالا فلير عليك ثم قال: هل تنتج إبلك صحاحا آذانها، فتعمد إلى موسى فتقطع آذانها فتقول: هذه بحر. وتشق جلودها وتقول هذه صرم وتحرمها عليك وعلى أهلك. قال: نعم. قال: فإن ما آتاك الله لك حل.ساعد الله أشد من ساعدك. وموسى الله أحد من موساك» .وقوله: قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ استفهام قصد به التوبيخ والزجر أى:قل لهم يا محمد على سبيل التوبيخ والزجر: إن الله وحده هو الذي يملك التحليل والتحريم، فهل هو- سبحانه- أذن لكم في ذلك، أو إنما أنتم الذين حللتم وحرمتم على حسب أهوائكم. لأنه لو أذن لكم في ذلك لبينه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.قال صاحب الكشاف: «وقوله: آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ متعلق بأرأيتم، وقل تكرير للتوكيد. والمعنى أخبرونى آلله أذن لكم في التحليل والتحريم، فأنتم تفعلون ذلك بإذنه، أم تكذبون على الله في نسبة ذلك إليه. ويجوز أن تكون الهمزة للإنكار وأم منقطعة، بمعنى: بل أتفترون على الله، تقريرا للافتراء.ثم قال: وكفى بهذه الآية زاجرا بليغا عن التجوز فيما يسأل عنه من الأحكام، وباعثة على وجوب الاحتياط فيه، وأن لا يقول أحد في شيء جائز أو غير جائز إلا بعد إيقان وإتقان، ومن لم يوقن فليتق الله وليصمت وإلا فهو مفتر على الله» .

الترجمة الإنجليزية

Wama thannu allatheena yaftaroona AAala Allahi alkathiba yawma alqiyamati inna Allaha lathoo fadlin AAala alnnasi walakinna aktharahum la yashkuroona

ثم توعدهم- سبحانه- بسوء المصير على جرأتهم وكذبهم فقال وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ....أى: هؤلاء الذين أحلوا وحرموا افتراء على الله ماذا يظنون أن الله سيفعل بهم يوم القيامة؟ أيظنون أن الله سيتركهم بدون عقاب؟ كلا إن عقابهم لشديد بسبب افترائهم عليه الكذب.وأبهم- سبحانه- هذا العقاب للتهويل والتعظيم، حيث أباحوا لأنفسهم ما لم يأذن به الله- تعالى-:وقال- سبحانه- وَما ظَنُّ ... بصيغة الماضي لتحقيق الوقوع، وأكثر أحوال القيامة يعبر عنها بهذه الصيغة لهذا الغرض.وقوله: إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ تذييل قصد به حض الناس على شكر خالقهم، واتباع شريعته فيما أحل وحرم.أى: إن الله لذو فضل عظيم على عباده، حيث خلقهم ورزقهم، وشرع لهم ما فيه مصلحتهم ومنفعتهم، ولكن أكثرهم لا يشكرونه على هذه النعم، لأنهم يستعملونها في غير ما خلقت له.

الترجمة الإنجليزية

Wama takoonu fee shanin wama tatloo minhu min quranin wala taAAmaloona min AAamalin illa kunna AAalaykum shuhoodan ith tufeedoona feehi wama yaAAzubu AAan rabbika min mithqali tharratin fee alardi wala fee alssamai wala asghara min thalika wala akbara illa fee kitabin mubeenun

وبعد أن ذكر- سبحانه- عباده بفضله، وما يجب عليهم من شكره، عطف على ذلك تذكيره إياهم بإحاطة علمه بكل صغير وكبير في هذا الكون فقال: وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ. وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ، وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً....أى: وما تكون- أيها الرسول الكريم- في شأن من الشئون أو في حال من الأحوال.وما تتلو من أجل ذلك الشأن من قرآن يهدى الى الرشد.ولا تعملون- أيها الناس- عملا ما صغيرا أو كبيرا، إلا كنا عليكم مطلعين.ومن في قوله مِنْهُ للتعليل، والضمير يعود إلى الشأن، إذ التلاوة أعظم شئونه صلى الله عليه وسلم ولذا خصت بالذكر. ويجوز أن يعود للقرآن الكريم، ويكون الإضمار قبل الذكر لتفخيم شأنه، وتعظيم أمره.ومن في قوله مِنْ قُرْآنٍ مزيدة لتأكيد النفي.وقال الآلوسى: «والخطاب الأول خاص برأس النوع الإنسانى، وسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم هذا. وقوله وَلا تَعْمَلُونَ ... عام يشمل سائر العباد برهم وفاجرهم وقد روعي في كل من المقامين ما يليق به، فعبر في مقام الخصوص في الأول بالشأن، لأن عمل العظيم عظيم، وفي الثاني بالعمل العام للجليل والحقير. وقيل: الخطاب الأول عام للأمة أيضا كما في قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ.وقوله: إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً استثناء مفرغ من أعم أحوال المخاطبين بالأفعال الثلاثة. أى: وما تلابسون بشيء منها في حال من الأحوال إلا حال كوننا رقباء مطلعين عليه، حافظين له» .وقوله: إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ أى: تخوضون وتندفعون في ذلك العمل، لأن الإفاضة في الشيء معناها الاندفاع فيه بكثرة وقوة.وقوله: وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ بيان لشمول علمه- سبحانه- لكل شيء.ويعزب: أى يبعد ويغيب، وأصله من قولهم: عزب الرجل يعزب بإبله إذا أبعد بها وغاب في طلب الكلأ والعشب. والكلام على حذف مضاف.أى: وما يغيب ويخفى عن علم ربك مثقال ذرة في الوجود علويه وسفليه ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، إلا وهو معلوم ومسجل عنده في كتاب عظيم الشأن، تام البيان.وقوله: مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ تمثيل لقلة الشيء ودقته، ومن فيه لتأكيد النفي وقدمت الأرض على السماء هنا، لأن الكلام في حال أهلها، والمقصود إقامة البرهان على إحاطة علمه- سبحانه- بتفاصيلها. فكأنه- سبحانه- يقول: إن من يكون هذا شأنه لا يخفى عليه شيء من أحوال أهل الأرض مع نبيهم صلى الله عليه وسلم.وقوله: وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ جملة مستقلة ليست معطوفة على ما قبلها.ولا نافية للجنس وأَصْغَرَ اسمها منصوب لشبهه بالمضاف، وأَكْبَرَ معطوف عليه. وفِي كِتابٍ مُبِينٍ متعلق بمحذوف خبرها.وقدم ذكر الأصغر على الأكبر، لأنه هو الأهم في سياق العلم بما خفى من الأمور.وقرأ حمزة ويعقوب وخلف وَلا أَصْغَرَ بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف. أى:ولا ما هو أصغر من ذلك.والمراد بالكتاب المبين: علم الله الذي وسع كل شيء، أو اللوح المحفوظ الذي حفظ الله فيه كل شيء.وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد أقامت الأدلة على شمول قدرة الله- تعالى- لكل شيء، وعلى دعوة الناس إلى الانتفاع بما جاء به القرآن من خيرات وبركات، وعلى وجوب التزامهم بما شرعه- سبحانه- وعلى إحاطة علمه بما ظهر وبطن من الأمور.وبعد أن وجه- سبحانه- نداء إلى الناس دعاهم فيه إلى الانتفاع بما جاء في القرآن من خيرات، وتوعد الذين شرعوا شرائع لم يأذن بها الله، وأقام الأدلة على نفاذ قدرته، وشمول علمه.بعد كل ذلك، بشر أولياءه بحسن العاقبة، وأنذر أعداءه بسوء المصير، ورد على الذين قالوا اتخذ الله ولدا بما يكبتهم ويخرس ألسنتهم فقال- تعالى-:
215