سورة النمل (27): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة النمل بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة النمل مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة النمل

سُورَةُ النَّمۡلِ
الصفحة 380 (آيات من 36 إلى 44)

فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَٰنَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ ءَاتَىٰنِۦَ ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ ءَاتَىٰكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَٰغِرُونَ قَالَ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَؤُا۟ أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّى عَلَيْهِ لَقَوِىٌّ أَمِينٌ قَالَ ٱلَّذِى عِندَهُۥ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُۥ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّى لِيَبْلُوَنِىٓ ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّى غَنِىٌّ كَرِيمٌ قَالَ نَكِّرُوا۟ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِىٓ أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرْشُكِ ۖ قَالَتْ كَأَنَّهُۥ هُوَ ۚ وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ ۖ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَٰفِرِينَ قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِى ٱلصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُۥ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ
380

الاستماع إلى سورة النمل

تفسير سورة النمل (تفسير الوسيط لطنطاوي: محمد سيد طنطاوي)

الترجمة الإنجليزية

Falamma jaa sulaymana qala atumiddoonani bimalin fama ataniya Allahu khayrun mimma atakum bal antum bihadiyyatikum tafrahoona

وفي الكلام حذف يفهم من السياق، وتقتضيه بلاغة القرآن الكريم والتقدير: وهيأت ملكة سبأ الهدية الثمينة لسليمان- عليه السلام-. وأرسلتها مع من اختارتهم من قومها لهذه المهمة، فلما جاء سليمان، أى: فلما وصل الرسل إلى سليمان ومعهم هدية ملكتهم إليه.فلما رآها قال- على سبيل الإنكار والاستخفاف بتلك الهدية-: أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ أى:أتقدمون إلى هذا المال الزائل والمتمثل في تلك الهدية لأكف عن دعوتكم إلى إتيانى وأنتم مخلصون العبادة لله- تعالى- وحده. وتاركون لعبادة غيره؟كلا لن ألتفت إلى هديتكم فَما آتانِيَ اللَّهُ من النبوة والملك الواسع خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ من أموال من جملتها تلك الهدية.فالجملة الكريمة تعليل لإنكاره لهديتهم، ولاستخفافه بها، وسخريته منها.وقوله- سبحانه-: بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ إضراب عما ذكره من إنكاره لتلك الهدية وتعليله لهذا الإنكار، إلى بيان ما هم عليه من ضيق في التفكير، حيث أوهموا أن هذه الهدية، قد تفيد في صرف سليمان عن دعوتهم إلى وحدانية الله- تعالى-، وقد تحمله على تركهم وشأنهم.أى: افهموا- أيها الرسل- وقولوا لمن أرسلكم بتلك الهدية: إن سليمان ما آتاه الله من خير، أفضل مما آتاكم، وإنه يقول لكم جميعا: انتفعوا أنتم بهديتكم وافرحوا بها، لأنكم لا تفكرون إلا في متع الحياة الدنيا، أما أنا ففي غنى عن هداياكم ولا يهمني إلا إيمانكم.

الترجمة الإنجليزية

IrjiAA ilayhim falanatiyannahum bijunoodin la qibala lahum biha walanukhrijannahum minha athillatan wahum saghiroona

ثم أتبع سليمان- عليه السلام- هذا الاستنكار بالتهديد فقال: - كما حكى القرآن عنه-: ارْجِعْ إِلَيْهِمْ.أى: قال سليمان لمن أرسلته بلقيس بالهدية: عد من حيث أتيت ومعك هديتك.فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها أى: فو الله لنأتينهم بجنود لا قدرة لهم على مقاومتهم، ولا طاقة لهم على قتالهم.وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ أى: وو اللَّه لنخرجن هذه الملكة وقومها من بلاد سبأ، حالة كونهم أذلة، وحالة كونهم مهزومين مقهورين، بعد أن كانوا في عزة وقوة.وعاد الرسل بهديتهم إلى الملكة، دون أن يهتم القرآن بما جرى لهم بعد ذلك، لأن القرآن لا يهتم إلا بالجوهر واللباب فيما يقصه من أحداث.ثم يحكى القرآن بعد ذلك ما طلبه سليمان- عليه السلام- من جنوده فيقول:

الترجمة الإنجليزية

Qala ya ayyuha almalao ayyukum yateenee biAAarshiha qabla an yatoonee muslimeena

قال ابن كثير ما ملخصه: فلما رجعت الرسل إلى ملكة سبأ بما قاله سليمان، قالت: قد- والله- عرفت ما هذا بملك، وما لنا به من طاقة.. وبعثت اليه: إنى قادمة إليك بملوك قومي، لأنظر في أمرك وما تدعونا إليه من دينك.. ثم شخصت إليه في اثنى عشر ألف رجل من أشراف قومها- بعد أن أقفلت الأبواب على عرشها- فجعل سليمان يبعث الجن يأتونه بمسيرها ومنتهاها كل يوم وليلة، حتى إذا دنت جمع من عنده من الإنس والجن ممن تحت يده فقال: يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ.أى: قال سليمان لجنوده: أى واحد منكم يستطيع أن يحضر لي عرش هذه الملكة قبل أن تحضر إلى هي وقومها مسلمين، أى: منقادين طائعين مستسلمين لما أمرتهم به.ولعل سليمان- عليه السلام- قد طلب إحضار عرشها- من بلاد اليمن إلى بيت المقدس حيث مقر مملكته، ليطلعها على عظيم قدرة الله- تعالى-، وعلى ما أعطاه- سبحانه- له من ملك عريض، ومن نعم جليلة، ومن قوة خارقة، حيث سخر له من يحضر له عرشها من مكان بعيد في زمن يسير.ولعل كل ذلك يقودها هي وقومها إلى الإيمان بالله رب العالمين..

الترجمة الإنجليزية

Qala AAifreetun mina aljinni ana ateeka bihi qabla an taqooma min maqamika wainne AAalayhi laqawiyyun ameenun

وبعد أن قال سليمان لجنده أيكم يأتينى بعرشها قبل أن يأتونى مسلمين، رد عليه عفريت من الجن بقوله: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ.والعفريت: هو المارد القوى من الشياطين، الذين سخرهم الله- تعالى- لخدمة سليمان،وللقيام بأداء ما يكلفهم به. ويقال له: عفريت، وعفريتة- بكسر العين وسكون الفاء-.أى: قال عفريت من الجن لسليمان: أنا آتيك بعرش هذه الملكة، قبل أن تقوم من مقامك، أى: قبل أن تقوم من مجلسك هذا الذي تجلس فيه للقضاء بين الناس. أو قبل أن تقف من جلوسك.وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ أى: وإنى على حمله وإحضاره من تلك الأماكن البعيدة إليك، لقوى على ذلك، بحيث لا يثقل على حمله، ولأمين على إحضاره دون أن يضيع منه شيء.

الترجمة الإنجليزية

Qala allathee AAindahu AAilmun mina alkitabi ana ateeka bihi qabla an yartadda ilayka tarfuka falamma raahu mustaqirran AAindahu qala hatha min fadli rabbee liyabluwanee aashkuru am akfuru waman shakara fainnama yashkuru linafsihi waman kafara fainna rabbee ghaniyyun kareemun

وكأن سليمان قد استبطأ إحضاره عرش تلك المملكة في هذه الفترة التي حددها ذلك العفريت القوى، فنهض جندي آخر من جنوده، ذكره القرآن بقوله: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ، أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ. قالوا: والمراد بهذا الذي عنده علم من الكتاب: آصف بن برخيا، وهو رجل من صلحاء بنى إسرائيل، آتاه الله- تعالى- من لدنه علما، وكان وزيرا لسليمان.قالوا: وكان يعلم اسم الله الأعظم، الذي إذا دعى به- سبحانه- أجاب الداعي، وإذا سئل به- تعالى- أجاب السائل.قيل: المراد به سليمان نفسه، ويكون الخطاب على هذا العفريت، فكأنه استبطأ ما قاله العفريت فقال له: - على سبيل التحقير- أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك.وقيل: المراد به جبريل. والأول هو المشهور عند المفسرين.أى: قال الرجل الذي عنده علم من كتاب الله- تعالى- يا سليمان أنا آتيك بعرش بلقيس، قبل أن تغمض عينك وتفتحها، وهو كناية عن السرعة الفائقة في إحضاره.وفي ذلك ما فيه من الدلالة على شرف العلم وفضله وشرف حامليه وفضلهم وأن هذه الكرامة التي وهبها الله- تعالى- لهذا الرجل، كانت بسبب ما آتاه- سبحانه- من علم.وجاء عرش الملكة لسليمان من بلاد اليمن إلى بلاد الشام، بتلك السرعة الفائقة فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ أى: فلما رأى سليمان العرش المذكور حاضرا لديه، وكائنا بين يديه ... لم يغتر ولم يتكبر، ولم يأخذه الزهو والعجب. بل قال- كما حكى القرآن عنه-: هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ.أى: قال سليمان: هذا الذي أراه من إحضار العرش بتلك السرعة من فضل ربي وعطائه، لكي يمتحننى أأشكره على نعمه أم أجحد هذه النعم.وَمَنْ شَكَرَ الله- تعالى- على نعمه فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ حيث يزيده- سبحانه- منها.وَمَنْ كَفَرَ نعم الله- تعالى- وجحدها فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ عن خلقه كَرِيمٌ في معاملته لهم، حيث لم يعاجلهم بالعقوبة، بل يعفو ويصفح عن كثير من ذنوبهم.ثم ختم- سبحانه- هذه القصة البديعة، ببيان ما فعله سليمان بالعرش، وبما قاله لملكة سبأ بعد أن قدمت إليه، وبما انتهى إليه أمرها، فقال- تعالى-:وَمَنْ شَكَرَ الله- تعالى- على نعمه فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ حيث يزيده- سبحانه- منها.

الترجمة الإنجليزية

Qala nakkiroo laha AAarshaha nanthur atahtadee am takoonu mina allatheena la yahtadoona

وقوله: نَكِّرُوا لَها عَرْشَها من التنكير الذي هو ضد التعريف، وهو جعل الشيء على هيئة تخالف هيئته السابقة حتى لا يعرف.أى: قال سليمان لجنوده، بعد أن استقر عنده عرش بلقيس: غيروا لهذه الملكة عرشها، كأن تجعلوا مؤخرته في مقدمته، وأعلاه أسفله..وافعلوا ذلك لكي نَنْظُرْ ونعرف أَتَهْتَدِي إليه بعد هذا التغيير، أو إلى الجواب اللائق بالمقام عند ما تسأل أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ إلى معرفة الشيء بعد تغيير معالمه المميزة له. أو إلى الجواب الصحيح عند ما تسأل عنه.فالمقصود بتغيير هيئة عرشها: اختبار ذكائها وفطنتها، وحسن تصرفها، عند مفاجأتها باطلاعها على عرشها الذي خلفته وراءها في بلادها. وإيقافها على مظاهر قدرة الله- تعالى- وعلى ما وهبه لسليمان- عليه السلام- من معجزات.

الترجمة الإنجليزية

Falamma jaat qeela ahakatha AAarshuki qalat kaannahu huwa waooteena alAAilma min qabliha wakunna muslimeena

وقوله- تعالى-: فَلَمَّا جاءَتْ ... شروع في بيان ما قالته عند ما عرض عليها سليمان عرشها.أى: فلما وصلت بلقيس إلى سليمان- عليه السلام- عرض عليها عرشها بعد تغيير معالمه. ثم قيل لها من جهته- عليه السلام-: أَهكَذا عَرْشُكِ أى: أمثل هذا العرش الذي ترينه الآن، عرشك الذي خلفته وراءك في بلادك.فالهمزة للاستفهام والهاء للتنبيه- والكاف حرف جر، وذا اسم إشارة مجرور بها، والجار والمجرور خبر مقدم، وعرشك مبتدأ مؤخر.ولم يقل لها: أهذا عرشك، لئلا يكون إرشادا لها إلى الجواب، فيفوت المقصود من اختبار ذكائها وحسن تصرفها.ولا شك أن هذا القول يدعوها للدهشة والمفاجأة بما لم يكن في حسبانها، وإلا فأين هي من عرشها الذي تركته خلفها على مسافة بعيدة، بينها وبين مملكة سليمان عشرات الآلاف من الأميال.ولكن الملكة الأريبة العاقلة، هداها تفكيرها إلى جواب ذكى، فقالت- كما حكى القرآن عنها-: كَأَنَّهُ هُوَ أى: هذا العرش- الذي غيرت هيئته- كأنه عرشي الذي تركته في بلادي، فهي لم تثبت أنه هو، ولم تنف أنه غيره، وإنما تركت الأمر مبنيا على الظن والتشبيه، لكي يناسب الجواب السؤال.وقوله- سبحانه-: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ يرى بعض المفسرين أنه من تتمة كلام بلقيس، وكأنها عند ما استشعرت مما شاهدته اختبار عقلها قالت: وأوتينا العلم من قبلها، أى: من قبل تلك الحالة التي شاهدناها، بصحة نبوة سليمان وكنا مسلمين، طائعين لأمره.ومنهم من يرى أنه من سليمان، وتكون الجملة معطوفة على كلام مقدر وجيء بها من قبيل التحدث بنعمة الله- تعالى-.والمعنى: قال سليمان: لقد أصابت بلقيس في الجواب، وعرفت الحق، ولكننا نحن الذين أوتينا العلم من قبلها- أى من قبل حضور ملكة سبأ- وكنا مسلمين لله- تعالى- وجوهنا.ويبدو لنا أن كون هذه الجملة، حكاها القرآن على أنها من تتمة كلامها أقرب إلى الصواب، لأنه هو الظاهر من سياق الكلام.قال الآلوسي ما ملخصه: قوله: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ من تتمة كلامها على ما اختاره جمع من المفسرين. كأنها استشعرت مما شاهدته اختبارها، وإظهار معجزة لها. ولما كان الظاهر من السؤال هو الأول، سارعت إلى الجواب بما أنبأ عن كمال عقلها، ولما كان إظهار المعجزة دون ذلك في الظهور، ذكرت ما يتعلق به آخرا وهو قولها:وَأُوتِينَا الْعِلْمَ وفيه دلالة على كمال عقلها- أيضا-.والمعنى: وأوتينا العلم بكمال قدرة الله، وصحة نبوتك من قبل هذه المعجزة أو من قبل هذه الحالة، بما شاهدناه من أمر الهدهد. وما سمعناه من رسلنا إليك، وكنا مؤمنين من ذلك الوقت، فلا حاجة إلى إظهار هذه المعجزة .

الترجمة الإنجليزية

Wasaddaha ma kanat taAAbudu min dooni Allahi innaha kanat min qawmin kafireena

وقوله- سبحانه- وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ... بيان للأسباب التي منعتها من الدخول في الإسلام قبل ذلك. وما موصولة على أنها فاعل «صد» .أى: وصدها ومنعها الذي كانت تعبده من دون الله- تعالى- وهو الشمس- عن عبادة الله- تعالى- وحده، وعن المسارعة إلى الدخول في الإسلام.ويصح أن تكون ما مصدرية، والمصدر هو الفاعل. أى. وصدها عبادة الشمس، عن المسارعة إلى الدخول في الإسلام.وجملة إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ تعليل لسببية عبادتها لغير الله- تعالى-.أى: إن هذه المرأة كانت من قوم كافرين بالله- تعالى-، جاحدين لنعمه، عابدين لغيره، منذ أزمان متطاولة، فلم يكن في مقدورها إظهار إسلامها بسرعة وهي بينهم.فالجملة الكريمة كأنها اعتذار لها عن سبب تأخرها في الدخول في الإسلام.

الترجمة الإنجليزية

Qeela laha odkhulee alssarha falamma raathu hasibathu lujjatan wakashafat AAan saqayha qala innahu sarhun mumarradun min qawareera qalat rabbi innee thalamtu nafsee waaslamtu maAAa sulaymana lillahi rabbi alAAalameena

ثم ختم- سبحانه- هذه القصة ببيان ما فاجأها به سليمان، لتزداد يقينا بوحدانية الله- تعالى-، وبعظم النعم التي أعطاها- سبحانه- له فقال: يلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ، فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها.والصرح: القصر ويطلق على كل بناء مرتفع. ومنه قوله- تعالى-: وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ ويطلق- أيضا- على صحن الدار وساحته. يقال: هذه صرحة الدار. أى: ساحتها وعرصتها.وكان سليمان- عليه السلام- قد بنى هذا الصرح، وجعل بلاطه من زجاج نقى صاف كالبلور. بحيث يرى الناظر ما يجرى تحته من ماء.أى: قال سليمان لملكة سبأ بعد أن سألها: أهكذا عرشك، وبعد أن أجابته بما سبق بيانه.قال لها: ادخلى هذا القصر، فلما رأت هذا الصرح وما عليه من جمال وفخامة، حسبته لجة.أى: ظنته ماء غزيرا كالبحر.كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْهالئلا تبتل بالماء أذيال ثيابها.وهنا قال سليمان مزيلا لما اعتراها من دهشة: نَّهُأى: ما حسبته لجةرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَأى: قصر مملس من زجاج لا يحجب ما وراءه.فقوله مَرَّدٌبمعنى مملس، مأخوذ من قولهم: شجرة مرداء إذا كانت عارية من الورق، وغلام أمرد، إذا لم يكن في وجهه شعر والتمريد في البناء، معناه: التمليس والتسوية والنعومة.والقوارير: جمع قارورة، وهي إناء من زجاج، وتطلق القارورة على المرأة، لأن الولد يقر في رحمها، أو تشبيها لها بآنية الزجاج من حيث ضعفها، ومنه الحديث الشريف: «رفقا بالقوارير» . والمراد بالقوارير هنا. المعنى الأول.ثم حكى- سبحانه- ما قالته بلقيس بعد أن رأت جانبا من عجائب صنع الله فقال:قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِيأى: بسبب عبادتي لغيرك قبل هذا الوقت.. أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَطائعة مختارة، وإسلامى إنما هولَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَوليس لأحد سواه.وبعد، فهذا تفسير محرر لتلك القصة، وقد أعرضنا عن كثير من الإسرائيليات التي حشا بها بعض المفسرين تفاسيرهم، عند حديثهم عن الآيات التي وردت في هذه القصة، ومن ذلك ما يتعلق بسليمان- عليه السلام- وبجنوده من الطير. وبمحاورة النملة له، وبالهدية التي أرسلتها ملكة سبأ إليه، وبما قالته الشياطين لسليمان عن هذه المرأة.. إلخ وقد اشتملت هذه القصة على عبر وعظات وأحكام وآداب، من أهمها ما يأتى:1- أن الله- تعالى- قد أعطى- بفضله وإحسانه- داود وسليمان عليهما السلام- نعما عظيمة، على رأسها نعمة النبوة، والملك، والعلم النافع.وأنهما قد قابلا هذه النعم بالشكر لله- تعالى- واستعمالها فيما خلقت له.ونرى ذلك في قوله- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً، وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ.وفي قوله- تعالى-: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ، وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ، وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ.وفي قوله- سبحانه-: هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ، وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ.2- أن سليمان- عليه السلام- قد أقام دولته على الإيمان بالله- تعالى- وعلى العلم النافع، وعلى القوة العادلة.أما الإيمان بالله- تعالى- وإخلاص العبادة له- سبحانه-، فهو كائن له- عليه السلام- بمقتضى نبوته التي اختاره الله لها، وبمقتضى دعوته غيره إلى وحدانية الله- عز وجل- فقد حكى القرآن عنه أنه قال في رسالته إلى ملكة سبأ: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ.وأما العلم النافع، فيكفى أن القصة الكريمة قد افتتحت بقوله- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً ...واشتملت على قوله- سبحانه-: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ....وعلى قوله- عز وجل-: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ.وأما القوة، فنراها في قوله- تعالى-: وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ.وفي قوله- سبحانه- ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها، وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ.3- أن سليمان عليه السلام كانت رسالته الأولى نشر الإيمان بالله- تعالى- في الأرض، وتطهيرها من كل معبود سواه.والدليل على ذلك أن الهدهد عند ما أخبره بحال الملكة التي كانت هي وقومها يعبدون الشمس من دون الله..ما كان من سليمان- عليه السلام- إلا أن حمله كتابا قويا بليغا يأمرهم فيه بترك التكبر والغرور، وبإسلام وجوههم لله وحده: أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ.4- أن سليمان- عليه السلام- كان يمثل الحاكم اليقظ المتنبه لأحوال رعيته، حيث يعرف شئونها الصغيرة والكبيرة، ويعرف الحاضر من أفرادها والغائب، حتى ولو كان الغائب طيرا صغيرا، من بين آلاف الخلائق الذين هم تحت قيادته.ولقد صور القرآن ما كان عليه سليمان- عليه السلام- من يقظة ودراية بأفراد رعيته أبدع تصوير فقال: وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين.قال الإمام القرطبي- رحمه الله-: في هذه الآية دليل على تفقد الإمام أحوال رعيته، والمحافظة عليهم، فانظر إلى الهدهد مع صغره، كيف لم يخف على سليمان حاله، فكيف بعظام الملك..ثم يقول- رحمه الله- على سبيل التفجع والشكوى عن حال الولاة في عهده: فما ظنك بوال تذهب على يديه البلدان، وتضيع الرعية ويضيع الرعيان.. ورحم الله القائل:وهل أفسد الدين إلا الملوك ... وأحبار سوء ورهبانها5- أن سليمان- عليه السلام- كان بجانب تعهده لشئون رعيته، يمثل الحاكم الحازم العادل، الذي يحاسب المهمل، ويتوعد المقصر، ويعاقب من يستحق العقاب، وفي الوقت نفسه يقبل عذر المعتذر متى اعتذر عذرا مشروعا ومقنعا.انظر إليه وهو يقول- كما حكى القرآن عنه- عند ما تفقد الهدهد فلم يجده: لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ.إن الجيوش الجرارة التي تحت قيادة سليمان- عليه السلام- لا تؤثر فيها غياب هدهد منها.. ولكن سليمان القائد الحازم، كأنه يريد أن يعلم جنوده، أن لكل جندي رسالته التي يجب عليه أن يؤديها على الوجه الأكمل سواء أكان هذا الجندي صغيرا أم كبيرا، وأن من فرط في الأمور الصغيرة، لا يستبعد منه أن يفرط في الأمور الكبيرة.6- أن الجندي الصغير في الأمة التي يظلها العدل والحرية والأمان.. لا يمنعه صغره من أن يرد على الحاكم الكبير، بشجاعة وقوة..انظر إلى الهدهد- مع صغره- يحكى عنه القرآن، أنه رد على نبي الله سليمان الذي آتاه الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده بقوله: أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ...ونجد سليمان- عليه السلام- لا يؤاخذه على هذا القول، بل يضع قوله موضع التحقيق والاختبار فيقول له: سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ.وهكذا الأمم العاقلة الرشيدة، لا يهان فيها الصغير، ولا يظلم فيها الكبير.7- أن حكمة الله- تعالى- قد اقتضت أن تتألف الأمم من حاكمين ومحكومين، وأن كل فريق له حقوق وعليه واجبات، وأن الأمم لا تصلح بدون حاكم يحكمها ويرعى شئونها، ويحق الحق ويبطل الباطل.قال القرطبي عند تفسيره لقوله- تعالى-: وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ: في الآية دليل على اتخاذ الإمام والحكام وزعة- أى ولاة، أو قضاة- يكفون الناس ويمنعونهم من تطاول بعضهم على بعض ...قال ابن عون: سمعت الحسن يقول وهو في مجلس قضائه: والله ما يصلح هؤلاء الناس إلا وزعة .ومن الأقوال الحكيمة لأمير المؤمنين عثمان بن عفان- رضى الله عنه- «إن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن» .8- أن الحاكم العاقل هو الذي يستشير من هو أهل للاستشارة في الأمور التي تهم الأمة.فها هي ذي ملكة سبأ عند ما جاءها كتاب سليمان- عليه السلام- جمعت وجوه قومها، وقالت لهم- كما حكى القرآن عنها: يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي، ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ....قال القرطبي: وفي هذه الآية دليل على صحة المشاورة.. وقد قال الله- تعالى- لنبيه صلّى الله عليه وسلم وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ وقد مدح الله الفضلاء بقوله: وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ والمشاورة من الأمر القديم وخاصة في الحرب، فهذه بلقيس امرأة جاهلية كانت تعبد الشمس من دون الله قالت: يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ... لتختبر عزمهم على مقاومة عدوهم.وربما كان في استبدادها برأيها وهن في طاعتها، وكان في مشاورتهم وأخذ رأيهم عون على ما تريده من شوكتهم، وشدة مدافعتهم، ألا ترى إلى قولهم في جوابهم: نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ.. .9- أن الهدية إذا لمس المهدى إليه من ورائها، عدم الإخلاص في إهدائها. وأن المقصد منها صرفه عن حق يقيمه، أو عن باطل يزيله.. فإن الواجب عليه أن يرد هذه الهدية لصاحبها. وأن يمتنع عن قبولها..ألا ترى إلى سليمان- عليه السلام- قد رد الهدية الثمينة التي أهدتها بلقيس إليه، حين أحس أن من وراء هذه الهدية شيئا. يتنافى مع تبليغ وتنفيذ رسالة الله- تعالى- التي أمره بتبليغها وتنفيذها، ألا وهي: الأمر بإخلاص العبادة لله- تعالى- والنهى عن الإشراك به، وبلقيس إنما كانت تقصد بهديتها، اختبار سليمان، أنبى هو أم ملك، كما سبق أن أشرنا..لذا وجدنا القرآن يحكى عن سليمان- عليه السلام- أنه رد هذه الهدية مع من جاءوا بها، وقال: أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ، فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ.10- أن ملكة سبأ دل تصرفها على أنها كانت ملكة عاقلة رشيدة، حكيمة، فقد استشارت خاصتها في كتاب سليمان- عليه السلام-، ولوحت لهم بقوته وبما سيترتب على حربه، وآثرت أن تقدم له هدية على سبيل الامتحان، واستحبت المسالمة على المحاربة.. وكان عندها الاستعداد لقبول الحق والدخول فيه، وما أخرها عن المسارعة إليه إلا لكونها كانت من قوم كافرين..وعند ما التقت بسليمان، وانكشفت لها الحقائق سارعت إلى الدخول في الدين الحق، وقالت: بِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.هذه بعض العبر والعظات التي تؤخذ من هذه القصة.. ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك جانبا من قصة صالح- عليه السلام- مع قومه، فقال- تعالى-:
380