سورة القصص (28): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة القصص بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تنوير المقباس من تفسير ابن عباس (عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة القصص مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة القصص

سُورَةُ القَصَصِ
الصفحة 390 (آيات من 36 إلى 43)

فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَا بَيِّنَٰتٍ قَالُوا۟ مَا هَٰذَآ إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِىٓ ءَابَآئِنَا ٱلْأَوَّلِينَ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّىٓ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِۦ وَمَن تَكُونُ لَهُۥ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِ ۖ إِنَّهُۥ لَا يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِى فَأَوْقِدْ لِى يَٰهَٰمَٰنُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّى صَرْحًا لَّعَلِّىٓ أَطَّلِعُ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّى لَأَظُنُّهُۥ مِنَ ٱلْكَٰذِبِينَ وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُۥ فِى ٱلْأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَظَنُّوٓا۟ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ فَأَخَذْنَٰهُ وَجُنُودَهُۥ فَنَبَذْنَٰهُمْ فِى ٱلْيَمِّ ۖ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ وَجَعَلْنَٰهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ ۖ وَيَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ لَا يُنصَرُونَ وَأَتْبَعْنَٰهُمْ فِى هَٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً ۖ وَيَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ هُم مِّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَٰبَ مِنۢ بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ ٱلْأُولَىٰ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
390

الاستماع إلى سورة القصص

تفسير سورة القصص (تنوير المقباس من تفسير ابن عباس: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي)

الترجمة الإنجليزية

Falamma jaahum moosa biayatina bayyinatin qaloo ma hatha illa sihrun muftaran wama samiAAna bihatha fee abaina alawwaleena

فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آَبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (36)طوي ما بين نداء الله إياه وبين حضوره عند فرعون من الأحداث لعدم تعلق العبرة به . وأسند المجيء بالآيات إلى موسى عليه السلام وحده دون هارون لأنه الرسول الأصلي الذي تأتي المعجزات على يديه بخلاف قوله { فاذهبا بآياتنا } في سورة الشعراء ( 15 ) ، وقوله { بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون } [ القصص : 35 ] إذ جعل تعلق الآيات بضميريها لأن معنى الملابسة معنى متسع فالمصاحب لصاحب الآيات هو ملابس له .والآيات البينات هي خوارق العادات التي أظهرها ، أي جاءهم بها آية بعد آية في مواقع مختلفة ، قالوا عند كل آية { ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين .والمفترى : المكذوب . ومعنى كونها سحراً مكذوباً أنه مكذوب ادعاء أنه من عند الله وإخفاء كونه سحراً .والإشارة في قوله { وما سمعنا بهذا } إلى ادعاء الرسالة من عند الله لأن ذلك هو الذي يسمع وأما الآيات فلا تسمع . فمرجع اسمي الإشارة مختلف ، أي ما سمعنا من يدعو آباءنا إلى مثل ما تدعو إليه فالكلام على حذف مضاف دل عليه حرف الظرفية ، أي في زمن آبائنا . وقد جعلوا انتفاء بلوغ مثل هذه الدعوة إلى آبائهم حتى تصل إليهم بواسطة آبائهم الأولين ، دليلاً على بطلانها وذلك آخر ملجأ يلجأ إليه المحجوج المغلوب حين لا يجد ما يدفع به الحق بدليل مقبول فيفزع إلى مثل هذه التلفيقات والمباهتات .

الترجمة الإنجليزية

Waqala moosa rabbee aAAlamu biman jaa bialhuda min AAindihi waman takoonu lahu AAaqibatu alddari innahu la yuflihu alththalimoona

وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37)لما قالوا قولاً صريحاً في تكذيبه واستظهروا على قولهم بأن ما جاء به موسى شيء من علمه آباؤهم أجاب موسى كلامهم بمثله في تأييد صدقه فإنه يعلمه الله ، فما عِلْمُ آبائهم في جانب عِلْم الله بشيء ، فلما تمسكوا بعلم آبائهم تمسك موسى بعلم الله تعالى ، فقد احتج موسى بنفسه ولم يكل ذلك إلى هارون .وكان مقتضى الاستعمال أن يُحكى كلام موسى بفعل القول غير معطوف بالواو شأن حكاية المحاورات كما قدمناه غير مرة ، فخولف ذلك هنا بمجيء حرف العطف في قراءة الجمهور غير ابن كثير لأنه قصد هنا التوازن بين حجة ملأ فرعون وحجة موسى ، ليظهر للسامع التفاوت بينهما في مصادفة الحق ويتبصر فساد أحدهما وصحة الآخر ، وبضدها تتبين الأشياء ، فلهذا عطفت الجملة جرياً على الأصل غير الغالب للتنبيه على أن فيه خصوصية غير المعهودة في مثله فتكون معرفة التفاوت بين المحتجين مُحالة على النظر في معناهما . وقرأ ابن كثير { قال موسى } بدون واو وهي مرسومة في مصحف أهل مكة بدون واو على أصل حكاية المحاورات وقد حصل من مجموع القراءتين الوفاء بحق الخصوصيتين من مقتضى حالي الحكاية . وعبر عن الله بوصف الربوبية مضافاً إلى ضميره للتنصيص على أن الذي يعلم الحق هو الإله الحق لا آلهتهم المزعومة .ويظهر أن القبط لم يكن في لغتهم اسم على الرب واجب الوجود الحق ولكن أسماء آلهة مزعومة .وعبر في جانب { من جاء بالهدى } بفعل المضي وفي جانب { من تكون له عاقبة الدار } بالمضارع لأن المجيء بالهُدى المحقق والمزعوم أمر قد تحقق ومضى سواء كان الجائي به موسى أم آباؤهم الأولون وعلماؤهم . وأما كيان عاقبة الدار لمن فمرجو لما يظهر بعد . ففي قوله { ربي أعلم بمن جاء بالهدى } إشهادٌ لله تعالى وكلام منصف ، أي ربي أعلم بتعيين الجائي بالهدى أنحن أم أنتم على نحو قوله تعالى { وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين } [ سبأ : 24 ] .وفي قوله : { ومن تكون له عاقبة الدار } تفويض إلى ما سيظهر من نصر أحد الفريقين على الآخر وهو تعريض بالوعيد بسوء عاقبتهم .و { عاقبة الدار } كلمة جرت مجرى المثل في خاتمة الخير بعد المشقة تشبيهاً لعامل العمل بالسائر المنتجع إذا صادف دار خصب واستقرّ بها وقال الحمد لله الذي أحلّنا دار المُقامة من فضله . فأصل عاقبة الدار : الدار العاقبة . فأضيفت الصفة إلى موصوفها .والعاقبة : هي الحالة العاقبة ، أي التي تعقب ، أي تجيء عقب غيرها ، فيؤذن هذا اللفظ بتبدل حال إلى ما هو خير ، فلذلك لا تطلق إلا على العاقبة المحمودة . وقد تقدم في سورة [ الأنعام : 135 ] قوله { فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار } وفي سورة [ الرعد : 22 ] قوله { أولئك لهم عقبى الدار } وقوله { وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار } [ الرعد : 42 ] .وقرأ الجمهور { تكون } بالمثناة الفوقية على أصل تأنيث لفظ { عاقبة الدار } وقرأ حمزة والكسائي بالتحتية على الخيار في فعل الفاعل المجازيّ التأنيث .وأيد ذلك كله بجملة { إنه لا يفلح الظالمون } ، دلالة على ثقته بأنه على الحق وذلك يفُتّ من أعضادهم ، ويلقي رعب الشك في النجاة في قلوبهم . وضمير { إنه } ضمير الشأن لأن الجملة بعده ذات معنى له شأن وخطر .

الترجمة الإنجليزية

Waqala firAAawnu ya ayyuha almalao ma AAalimtu lakum min ilahin ghayree faawqid lee ya hamanu AAala altteeni faijAAal lee sarhan laAAallee attaliAAu ila ilahi moosa wainnee laathunnuhu mina alkathibeena

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)كلام فرعون المحكي هنا واقع في مقام غير مقام المحاورة مع موسى فهو كلام أقبل به على خطاب أهل مجلسه إثر المحاورة مع موسى فلذلك حُكي بحرف العطف عطف القصة على القصة . فهذه قصة محاورة بين فرعون وملئه في شأن دعوة موسى فهي حقيقة بحرف العطف كما لا يخفى .أراد فرعون بخطابه مع ملئه أن يثبتهم على عقيدة إلهيته فقال { ما علمتُ لكم من إله غيري } إبطالا لقول موسى المحكي في سورة [ الشعراء : 26 ] { قال ربكم ورب آبائكم الأولين } وقوله هناك { رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين } [ الشعراء : 24 ] . فأظهر لهم فرعون أن دعوة موسى لم تَرُجْ عنده وأنه لم يصدق بها فقال { ما علمت لكم من إله غيري .والمراد بنفي علمه بذلك نفي وجود إله غيره بطريق الكناية يريهم أنه أحاط علمه بكل شيء حق فلو كان ثمة إله غيره لعلمه .والمقصود بنفي وجود إله غيره نفي وجود الإله الذي أثبته موسى وهو خالق الجميع . وأما آلهتهم التي يزعمونها فإنها مما تقتضيه إلهية فرعون لأن فرعون عندهم هو مظهر الآلهة المزعومة عندهم لأنه في اعتقادهم ابن الآلهة وخلاصة سرهم ، وكل الصيد في جوف الفرا .وحيث قال موسى إن الإله الحق هو رب السموات فقد حسب فرعون أن مملكة هذا الرب السماء تصوراً مختلاً ففرع على نفي إله غيره وعلى توهم أن الرب المزعوم مقره السماء أن أمر { هامان } وزيره أن يبني له صرحاً يبلغ به عنان السماء ليرى الإله الذي زعمه موسى حتى إذا لم يجده رجع إلى قومه فأثبت لهم عدم إله في السماء إثبات معاينة ، أراد أن يظهر لقومه في مظهر المتطلب للحق المستقصي للعوالم حتى إذا أخبر قومه بعد ذلك بأن نتيجة بحثه أسفرت عن كذب موسى ازدادوا ثقة ببطلان قول موسى عليه السلام .وفي هذا الضغث من الجدل السفسطائي مبلغ من الدلالة على سوء انتظام تفكيره وتفكير ملئه ، أو مبلغ تحيله وضعف آراء قومه .و { هامان } لقب أو اسم لوزير فرعون كما تقدم آنفاً . وأراد بقوله { فأوقد لي يا هامان على الطين } أن يأمر { هامان } العملة أن يطبخوا الطين ليكون آجراً ويبنوا به فكني عن البناء بمقدماته وهي إيقاد الأفران لتجفيف الطين المتخذ آجراً . والآجرّ كانوا يبنون به بيوتهم فكانوا يجعلون قوالب من طين يتصلب إذا طبخ وكانوا يخلطونه بالتبن ليتماسك قبل إدخاله التنور كما ورد وصف صنع الطين في الإصحاح الخامس من سفر الخروج .وابتدأ بأمره بأول أشغال البناء للدلالة على العناية بالشروع من أول أوقات الأمر لأن ابتداء البناء يتأخر إلى ما بعد إحضار مواده فلذلك أمره بالأخذ في إحضار تلك المواد التي أولها الإيقاد ، أي إشعال التنانير لطبخ الآجرّ .وعُبر عن الآجرّ بالطين لأنه قوام صنع الآجرّ وهو طين معروف . وكأنه لم يأمره ببناء من حجر وكلس قصداً للتعجيل بإقامة هذا الصرح المرتفع إذ ليس مطلوباً طول بقائه بإحكام بنائه على مرّ العصور بل المراد سرعة الوصول إلى ارتفاعه كي يشهده الناس ، ويحصل اليأس ثم يُنقض من الأساس .وعدل عن التعبير بالآجرّ ، قال ابن الأثير في «المثل السائر» : لأن كلمة الآجرّ ونحوها كالقرمد والطوب كلمات مبتذلة فذكر بلفظ الطين اه . وأظهر من كلام ابن الأثير : أن العدول إلى الطين لأنه أخف وأفصح .وإسناد الإيقاد على الطين إلى هامان مجاز عقلي باعتبار أنه الذي يأمر بذلك كما يقولون : بنى السلطان قنطرة وبنى المنصور بغداد .وتقدم ذكر هامان آنفاً وأنه وزير فرعون . وكانت أوامر الملوك في العصور الماضية تصدر بواسطة الوزير فكان الوزير هو المنفذ لأوامر الملك بواسطة أعوانه من كتاب وأمراء ووكلاء ونحوهم ، كل فيما يليق به .والصرح : القصر المرتفع ، وقد تقدم عند قوله تعالى { قيل لها ادخلي الصرح } في سورة [ النمل : 44 ] .ورجا أن يصل بهذا الصرح إلى السماء حيث مقر إله موسى . وهذا من فساد تفكيره إذ حسب أن السماء يوصل إليها بمثل هذا الصرح ما طال بناؤه ، وأن الله مستقر في مكان من السماء .والاطلاع : الطلوع القوي المتكلف لصعوبته .وقوله { وإني لأظنه من الكاذبين } استعمل فيه الظن بمعنى القطع فكانت محاولته الوصول إلى السماء لزيادة تحقيق ظنه ، أو لأنه أراد أن يقنع قومه بذلك . ولعله أراد بهذا تمويه الأمر على قومه ليلقي في اعتقادهم أن موسى ادعى أن الله في مكان معين يبلغ إليه ارتفاع صرحه . ثم يجعل عدم العثور على الإله في ذلك الارتفاع دليلاً على عدم وجود الإله الذي ادعاه موسى . وكانت عقائد أهل الضلالة قائمة على التخيل الفاسد ، وكانت دلائلها قائمة على تمويه الدجالين من زعمائهم .وقوله { من الكاذبين } يدل على أنه يعده من الطائفة الذين شأنهم الكذب كما تقدم في قوله تعالى { قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين } [ البقرة : 67 ] .ولم يذكر القرآن أن هذا الصرح بُني ، وليس هو أحد الأهرام لأن الأهرام بنيت من حجارة لا من آجرّ ، ولأنها جعلت مدافن للذين بنوها من الفراعنة . واختلف المفسرون هل وقع بناء هذا الصرح وتم أو لم يقع؛ فحكى بعضهم أنه تم وصعد فرعون إلى أعلاه ونزل وزعم أنه قتل رب موسى . وحكى بعضهم أن الصرح سقط قبل إتمام بنائه فأهلك خلقاً كثيراً من عملة البناء والجند . وحكى بعضهم أنه لم يشرع في بنائه . وقد لاح لي في معنى الآية وجه آخر سأذكره في سورة المؤمن .

الترجمة الإنجليزية

Waistakbara huwa wajunooduhu fee alardi bighayri alhaqqi wathannoo annahum ilayna la yurjaAAoona

وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39)الاستكبار : أشد من الكبر ، أي تكبر تكبراً شديداً إذ طمع في الوصول إلى الرب العظيم وصول الغالب أو القرين .و { جنوده } : أتباعه . فاستكباره هو الأصل واستكبار جنوده تبع لاستكباره لأنهم يتّبعونه ويتلقون ما يمليه عليهم من العقائد .و { الأرض } يجوز أن يراد بها المعهودة ، أي أرض مصر وأن يراد بها الجنس ، أي في عالم الأرض لأنهم كانوا يومئذ أعظم أمم الأرض .وقوله { بغير الحق } حال لازمة لعاملها إذ لا يكون الاستكبار إلا بغير الحق .وقوله { وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون } معلوم بالفحوى من كفرهم بالله ، وإنما صرح به لأهمية إبطاله فلا يكتفى فيه بدلالة مفهوم الفحوى ، ولأن في التصريح به تعريضاً بالمشركين في أنهم وإياهم سواء فليضعوا أنفسهم في أي مقام من مقامات أهل الكفر ، وقد كان أبو جهل يلقب عند المسلمين بفرعون هذه الأمة أخذاً من تعريضات القرآن .ومعنى ذلك : ظنوا أن لا بعث ولا رجوع لأنهم كفروا بالمرجوع إليه . فذكر { إلينا } لحكاية الواقع وليس بقيد فلا يتوهم أنهم أنكروا البعث ولم ينكروا وجود الله مثل المشركين . وتقديم { إلينا } على عامله لأجل الفاصلة .ويجوز أن يكون المعنى : وظنوا أنهم في منعة من أن يرجعوا في قبضة قدرتنا كما دل عليه قوله في سورة [ الشعراء : 24 - 25 ] { قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون } استعجاباً من ذلك . وعلى هذا الاحتمال فالتعريض بالمشركين باق على حاله فإنهم ظنوا أنهم في منعة من الاستئصال فقالوا { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء } [ الأنفال : 32 ] .قرأ نافع وحمزة والكسائي { لا يرجعون } بفتح ياء المضارعة من ( رجع ) . وقرأه الباقون بضمها من ( أرجع ) إذا فعل به الرجوع .

الترجمة الإنجليزية

Faakhathnahu wajunoodahu fanabathnahum fee alyammi faonthur kayfa kana AAaqibatu alththalimeena

فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40)أي ظنوا أنهم لا يرجعون إلينا فعجلنا بهلاكهم فإن ذلك من الرجوع إلى الله لأنه رجوع إلى حكمه وعقابه ، ويعقبه رجوع أرواحهم إلى عقابه ، فلهذا فرع على ظنهم ذلك الإعلام بأنه أخذ وجنوده . وجعل هذا التفريع كالاعتراض بين حكاية أحوالهم .وجعل في «الكشاف» هذا من الكلام الفخم لدلالته على عظمة شأن الله إذ كان قوله { فنبذناهم في اليم } يتضمن استعارة مكنية : شبه هو وجنوده بحصيات أخذهن في كفه فطرحهن في البحر . وإذا حمل الأخذ على حقيقته كان فيه استعارة مكنية أيضاً لأنه يستتبع تشبيهاً بقبضة تؤخذ باليد كقوله تعالى { وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة } [ الحاقة : 14 ] وقوله { والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة } [ الزمر : 67 ] . ويجوز أن يجعل جميع ذلك استعارة تمثيلية كما لا يخفى .وقوله { فانظر كيف كان عاقبة الظالمين } اعتبار بسوء عاقبتهم لأجل ظلمهم أنفسهم بالكفر وظلمهم الرسول بالاستكبار عن سماع دعوته . وهذا موضع العبرة من سوق هذه القصة ليعتبر بها المشركون فيقيسوا حال دعوة محمد صلى الله عليه وسلم بحال دعوة موسى عليه السلام ويقيسوا حالهم بحال فرعون وقومه ، فيوقنوا بأن ما أصاب فرعون وقومه من عقاب سيصيبهم لا محالة . وهذا من جملة محل العبرة بهذا الجزء من القصة ابتداء من قوله تعالى { فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات } [ القصص : 36 ] ليعتبر الناس بأن شأن أهل الضلالة واحد فإنهم يتلقون دعاة الخير بالإعراض والاستكبار واختلاق المعاذير فكما قال فرعون وقومه { ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين } [ القصص : 36 ] قالت قريش { بل افتراه بل هو شاعر } [ الأنبياء : 5 ] ، وقالوا { ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة } [ ص : 7 ] أي التي أدركناها .وكما طمع فرعون أن يبلغ إلى الله استكباراً منه في الأرض سأل المشركون { لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتواً كبيراً } [ الفرقان : 21 ] وظنوا أنهم لا يرجعون إلى الله كما ظن أولئك فيوشك أن يصيبهم من الاستئصال ما أصاب أولئك .

الترجمة الإنجليزية

WajaAAalnahum aimmatan yadAAoona ila alnnari wayawma alqiyamati la yunsaroona

وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41)عطف على جملة { واستكبر هو وجنوده } [ القصص : 39 ] أي استكبروا فكانوا ينصرون الضلال ويبثونه ، أي جعلناه وجنوده أيمة للضلالة المفضية إلى النار فكأنهم يدعون إلى النار فكل يدعو بما تصل إليه يده؛ فدعوة فرعون أمره ، ودعوة كهنته باختراع قواعد الضلالة وأوهامها ، ودعوة جنوده بتنفيذ ذلك والانتصار له .والأيمة : جمع إمام وهو من يقتدى به في عمل من خير أو شر قال تعالى { وجعلناهم أيمة يهدون بأمرنا } [ الأنبياء : 73 ] . ومعنى جعلهم أيمة يدعون إلى النار : خلق نفوسهم منصرفة إلى الشر ومعرضة عن الإصغاء للرشد وكان وجودهم بين ناس ذلك شأنهم . فالجعل جعل تكويني بجعل أسباب ذلك ، والله بعث إليهم الرسل لإرشادهم فلم ينفع ذلك فلذلك أصروا على الكفر .والدعاء إلى النار هو الدعاء إلى العمل الذي يوقع في النار فهي دعوة إلى النار بالمآل . وإذا كانوا يدعون إلى النار فهم من أهل النار بالأحرى فلذلك قال { ويوم القيامة لا ينصرون } أي لا يجدون من ينصرهم فيدفع عنهم عذاب النار . ومناسبة عطف { ويوم القيامة لا ينصرون } هي أن الدعاء يقتضي جنداً وأتباعاً يعتزون بهم في الدنيا ولكنهم لا يجدون عنهم يوم القيامة { وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا } [ البقرة : 167 ] .

الترجمة الإنجليزية

WaatbaAAnahum fee hathihi alddunya laAAnatan wayawma alqiyamati hum mina almaqbooheena

وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)إتباعهم باللعنة في الدنيا جعل اللعنة ملازمة لهم في علم الله تعالى؛ فقدر لهم هلاكاً لا رحمة فيه ، فعبر عن تلك الملازمة بالاتباع على وجه الاستعارة لأن التابع لا يفارق متبوعه ، وكانت تلك عاقبة تلك اللعنة إلقاءهم في اليم . ويجوز أن يراد باللعنة لعن الناس إياهم ، يعني أن أهل الإيمان يلعنونهم .وجزاؤهم يوم القيامة أنهم { من المقبوحين } ، والمقبوح المشتوم بكلمة ( قبح ) ، أي قبحه الله أو الناس ، أي جعله قبيحاً بين الناس في أعماله أي مذموماً ، يقال : قبحه بتخفيف الباء فهو مقبوح كما في هذه الآية ويقال : قبّحه بتشديد الباء إذا نسبه إلى القبيح فهو مقبّح ، كما في حديث أم زرع مما قالت العاشرة : «فعنده أقول فلا أقبّح» أي فلا يجعل قولي قبيحاً عنده غير مرضي .والإشارة إلى الدنيا ب { هذه } لتهوين أمر الدنيا بالنسبة للآخرة .والتخالف بين صيغتي قوله { وأتبعناهم } وقوله { هم من المقبوحين } ، لأن اللعنة في الدنيا قد انتهى أمرها بإغراقهم ، أو لأن لعن المؤمنين إياهم في الدنيا يكون في أحيان يذكرونهم ، فكلا الاحتمالين لا يقتضي الدوام فجيء معه بالجملة الفعلية . وأما تقبيح حالهم يوم القيامة فهو دائم معهم ملازم لهم فجيء في جانبه بالاسمية المقتضية الدوام والثبات .وضمير { هم } في قوله { هم من المقبوحين } ليس ضمير فصل ولكنه ضمير مبتدأ وبه كانت الجملة اسمية دالة على ثبات التقبيح لهم يوم القيامة .

الترجمة الإنجليزية

Walaqad atayna moosa alkitaba min baAAdi ma ahlakna alquroona aloola basaira lilnnasi wahudan warahmatan laAAallahum yatathakkaroona

وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43)المقصود من الآيات السابقة ابتداء من قوله { فلما آتاها نودي } [ القصص : 30 ] إلى هنا الاعتبار بعاقبة المكذبين القائلين { ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين } [ القصص : 36 ] ليقاس النظير على النظير ، فقد كان المشركون يقولون مثل ذلك يريدون إفحام الرسول عليه الصلاة والسلام بأنه لو كان الله أرسله حقاً لكان أرسل إلى الأجيال من قبله ، ولما كان الله يترك الأجيال التي قبلهم بدون رسالة رسول ثم يرسل إلى الجيل الأخير ، فكان قوله { ولقد آتينا موسى الكتاب من بعدما أهلكنا القرون الأولى } إتماماً لتنظير رسالة محمد صلى الله عليه وسلم برسالة موسى عليه السلام في أنها جاءت بعد فترة طويلة لا رسالة فيها ، مع الإشارة إلى أن سبق إرسال الرسل إلى الأمم شيء واقع بشهادة التواتر ، وأنه قد ترتب على تكذيب الأمم رسلهم إهلاك القرون الأولى فلم يكن ذلك موجباً لاستمرار إرسال الرسل متعاقبين بل كانوا يجيئون في أزمنة متفرقة؛ فإذا كان المشركون يحاولون بقولهم { ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين } [ القصص : 36 ] إبطال رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بعلة تأخر زمانها سفسطة ووهماً فإن دليلهم مقدوح فيه بقادح القلب بأن الرسل قد جاءوا إلى الأمم من قبل ثم جاء موسى بعد فترة من الرسل . وقد كان المشركون لما بهرهم أمر الإسلام لاذوا باليهود يسترشدونهم في طرق المجادلة الدينية فكان المشركون يخلطون ما يلقنهم اليهود من المغالطات بما استقر في نفوسهم من تضليل أيمة الشرك فيأتون بكلام يلعن بعضه بعضاً ، فمرة يقولون { ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين } [ القصص : 36 ] وهو من مجادلات الأميين ، ومرة يقولون { لولا أوتي مثل ما أوتي موسى } [ القصص : 48 ] وهو من تلقين اليهود ، ومرة يقولون { ما أنزل الله على بشر من شيء } [ الأنعام : 91 ] ، فكان القرآن يدمغ باطلهم بحجة الحق بإلزامهم تناقض مقالاتهم . وهذه الآية من ذلك فهي حجة بتنظير رسالة محمد برسالة موسى عليهما الصلاة والسلام والمقصود منها ذكر القرون الأولى .وأما ذكر إهلاكهم فهو إدماج للنذارة في ضمن الاستدلال . وجملة { ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى } تخلص من قصة بعثة موسى عليه السلام إلى تأييد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم والمقصود قوله ( من بعد القرون الأولى ) .ثم إن القرآن أعرض عن بيان حكمة الفِتَر التي تسبق إرسال الرسل ، واقتصر على بيان الحكمة في الإرسال عقبها لأنه المهم في مقام نقض حجة المبطلين للرسالة أو اكتفاء بأن ذلك أمر واقع لا يستطاع إنكاره وهو المقصود هنا ، وأما حكمة الفصل بالفِتر فشيء فوق مراتب عقولهم . فأشار بقوله { بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون } إلى بيان حكمة الإرسال عقب الفترة . وأشار بقوله { من بعد ما أهلكنا القرون الأولى } إلى الأمم التي استأصلها الله لتكذيبها رسل الله .فتأكيد الجملة بلام القسم وحرف التحقيق لتنزيل المخاطبين منزلة المنكرين لوقوع ذلك حتى يحتاج معهم إلى التأكيد بالقسم ، فموقع التأكيد هو قوله { من بعد ما أهلكنا القرون الأولى } .و { الكتاب } : التوراة التي خاطب الله بها موسى عليه السلام . والبصائر : جمع بصيرة ، وهي إدراك العقل . سُمي بصيرة اشتقاقاً من بصر العين ، وجُعل الكتاب بصائر باعتبار عدة دلائله وكثرة بيّناته ، كما في الآية الأخرى قال { لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر } [ الإسراء : 102 ] .و { القرون الأولى } : قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط . والقرن : الأمة ، قال تعالى { كم أهلكنا من قبلهم من قرن } [ الأنعام : 6 ] . وفي الحديث « خير القرون قرني » .والناس هم الذين أرسل إليهم موسى من بني إسرائيل وقوم فرعون ، ولمن يريد أن يهتدي بهديه مثل الذين تهودوا من عرب اليمن ، و { هدى ورحمة } لهم ، ولمن يقتبس منهم قال تعالى { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور } [ المائدة : 44 ] . ومن جملة ما تشتمل عليه التوراة تحذيرها من عبادة الأصنام .وضمير { لعلهم يتذكرون } عائد إلى الناس الذين خوطبوا بالتوراة ، أي فكذلك إرسال محمد لكم هدى ورحمة لعلكم تتذكرون .
390