سورة الحديد (57): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة الحديد بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة الحديد مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة الحديد

سُورَةُ الحَدِيدِ
الصفحة 540 (آيات من 19 إلى 24)

وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ ۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَآ أُو۟لَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَحِيمِ ٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌۢ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى ٱلْأَمْوَٰلِ وَٱلْأَوْلَٰدِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰمًا ۖ وَفِى ٱلْءَاخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٌ ۚ وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ سَابِقُوٓا۟ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَا فِىٓ أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِى كِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ لِّكَيْلَا تَأْسَوْا۟ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا۟ بِمَآ ءَاتَىٰكُمْ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ ۗ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ
540

الاستماع إلى سورة الحديد

تفسير سورة الحديد (تفسير الوسيط لطنطاوي: محمد سيد طنطاوي)

الترجمة الإنجليزية

Waallatheena amanoo biAllahi warusulihi olaika humu alssiddeeqoona waalshshuhadao AAinda rabbihim lahum ajruhum wanooruhum waallatheena kafaroo wakaththaboo biayatina olaika ashabu aljaheemi

وقوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ مبتدأ.وقوله: أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ خبره، والذين آمنوا بالله ورسله إيمانا حقا- لهم منزلة الصديقين: منزلة المبالغين في الصدق واليقين.فالصديق- بتشديد الدال- هو المبالغ في الصدق بما جاءه به الرسول صلى الله عليه وسلم وفي تنفيذ ما كلف به تنفيذا تاما.وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ وهم الذين استشهدوا في سبيل الله- تعالى-: لَهُمْ أَجْرُهُمْ العظيم عند الله- تعالى- وَنُورُهُمْ الذي يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يوم القيامة لهم كذلك.فعلى هذا التفسير يكون قوله: وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ مبتدأ، وجملة لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ، خبره، ويكون الوقف على الصِّدِّيقُونَ وقفا تاما.. والضمائر في لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ للشهداء.ويصح أن يكون قوله وَالشُّهَداءُ معطوف على الصِّدِّيقُونَ عطف المفرد على المفرد، فهو عطف على الخبر. أى: وهم الشهداء عند ربهم.. ويكون الوقف على الشهداء تاما، وأخبر- سبحانه- عن الذين آمنوا بالله ورسله، أنهم صديقون وشهداء.والمعنى على هذا الوجه: والذين آمنوا بالله ورسله، أولئك هم الذين في حكمه- تعالى- بمنزلة الصديقين والشهداء المشهورين بعلو الرتبة، ورفعة الدرجة.وقوله- تعالى- عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ أى: للذين آمنوا بالله ورسله عند ربهم، مثل أجر الصديقين والشهداء ولهم مثل نورهم يوم القيامة، وناهيك به من أجر عظيم، ونور عميم.وحذف ما يفيد التشبيه في الجملتين، للتنبيه على قوة المماثلة وبلوغها حد الاتحاد.وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله: يريد أن المؤمنين بالله ورسله، هم عند الله- تعالى- بمنزلة الصديقين والشهداء، وهم الذين سبقوا إلى التصديق، واستشهدوا في سبيل الله.وقوله: لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ أى: لهم مثل أجر الصديقين والشهداء ومثل نورهم.فإن قلت: كيف يسوى بينهم في الأجر ولا بد من التفاوت؟ قلت: المعنى أن الله - تعالى- يعطى الذين آمنوا بالله ورسله أجرهم. ويضاعفه لهم بفضله. حتى يساوى أجرهم مع أضعافه، أجر أولئك، أى: أجر الصديقين والشهداء.ويجوز أن يكون قوله: وَالشُّهَداءُ مبتدأ، وقوله، لَهُمْ أَجْرُهُمْ خبره ... .وقوله- تعالى-: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ بيان لسوء عاقبة الكافرين، بعد بيان حسن عاقبة المؤمنين الصادقين.أى: والذين كفروا بالله ورسله، وكذبوا بآياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا أولئك أصحاب الجحيم، الملازمون لها ملازمة الشيء لصاحبه.وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد حضت المؤمنين على المواظبة على ذكر الله- تعالى- وطاعته ونهتهم عن التشبه بالذين قست قلوبهم، وبشرت المصدقين والمصدقات، والذين آمنوا بالله- تعالى- وبرسله إيمانا حقا.. بالأجر العظيم، وبالعطاء الجزيل.ثم بين- سبحانه- حال الحياة، التي ركن إليها الكافرون، واطمأنوا بها.. ودعا المؤمنين إلى أن تكون هممهم متجهة نحو الآخرة، عن طريق التسلح بالأعمال الصالحة. فقال- تعالى-:

الترجمة الإنجليزية

IAAlamoo annama alhayatu alddunya laAAibun walahwun wazeenatun watafakhurun baynakum watakathurun fee alamwali waalawladi kamathali ghaythin aAAjaba alkuffara nabatuhu thumma yaheeju fatarahu musfarran thumma yakoonu hutaman wafee alakhirati AAathabun shadeedun wamaghfiratun mina Allahi waridwanun wama alhayatu alddunya illa mataAAu alghuroori

أى: اعْلَمُوا- أيها المؤمنون علم استجابة وامتثال لما آمركم به- أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا التي تعيشون فيها ما شاء الله لكم أن تعيشوا.. لَعِبٌ واللعب: هو قضاء الوقت في قول أو فعل لا فائدة من ورائه.وَلَهْوٌ واللهو: اسم لفعل أو قول يقصد من ورائه التلذذ والتمتع، وصرف الآلام والهموم عن النفس.وَزِينَةٌ الزينة اسم لما يتزين به الإنسان من ملبس أو مسكن أو ما يشبههما مما يفعله من أجل أن يكون في أعين الناس مهيبا جميلا.وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ أى: وتفاخر فيما بينكم بالأموال والمناصب والأحساب والأعمال..وتكاثر في الأموال والأولاد، والتكاثر تفاعل من الكثرة- كما أن التفاخر تفاعل من الفخر- وصيغة التفاعل جيء بها هنا، للمبالغة في إظهار ما يتفاخرون به، وما يتكاثرون فيه، حتى لكأنه ينافس غيره في ذلك ويريد الظهور عليه.والحرص على التفاخر والتكاثر في الأموال والأولاد، من طبيعة كثير من الناس، كما قال- تعالى-: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ.ثم بين- سبحانه- حال الحياة الدنيا، التي يلعب الناس فيها، ويلهون ويتفاخرون.ويتكاثرون.فقال: كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ.أى: هذه الحياة الدنيا حالها وصفتها ومثلها كمثل مطر أعجب الكفار وراقهم وسرهم، ما ترتب على هذا المطر، من نبات جميل نبت من الأرض بعد هطول الغيث عليها.فقوله- تعالى-: كَمَثَلِ خبر لمبتدأ محذوف، أى: مثلها كمثل مطر.والمراد بالكفار هنا: الجاحدون لنعم الله- تعالى- الساترون لها، وخصوا بالذكر، لأنهم أشد إعجابا وسرورا وانغماسا في زينة الحياة الدنيا من غيرهم.وروى عن عبد الله بن مسعود- رضى الله عنه- أن المراد بالكفار هنا: الزراع الذين يزرعون الأرض بعد نزول المطر عليها، ويبذرون فيها البذور سموا كفارا من الكفر بمعنى الستر والإخفاء، يقال: كفر الزارع بذره أو زرعه إذا أخفاه في الأرض، حتى لا يتعرض للتلف أو الضياع.وقوله- سبحانه-: ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً.والهيجان: الاضطراب والثوران، ومنه سميت الحرب بالهيجاء، لأن فيها يضطرب المقاتلون، ويثور بعضهم على بعض.ويرى بعضهم أن معنى يَهِيجُ هنا: ييبس ويجف.وعطف- سبحانه- جملة يَهِيجُ بحرف ثُمَّ لإفادة التراخي الرتبى، إذ أن وصول النبات إلى درجة من الهيجان وبلوغ منتهاه، لا يتأتى إلا بعد زمن طويل من بدء زراعته.ولم يرتض بعض المحققين هذا المعنى فقال: تفسير يَهِيجُ بييبس فيه تسامح، فإن حقيقته أن يتحرك إلى أقصى ما يتأتى له. أى: من الطول والغلظ .أى: ثم يتحرك هذا النبات الذي أعجب الكفار إلى أقصى ما يتأتى له من طول وقوة، ثم يبدأ في الضعف، فتراه- أيها الناظر إليه- نباتا مصفرا متغيرا عما كان عليه من النضرة، آخذا في الذبول وفي التهيؤ للحصاد، ثم يكون بعد ذلك حطاما، أى: نباتا محطما مكسرا.والمقصود بقوله- تعالى- كَمَثَلِ غَيْثٍ.. إلخ التقرير والتأكيد لما وصفت به الدنيا من كونها لعبا ولهوا وزينة.وتشبيهها في سرعة زوالها، وانقضاء نعيمها، وقلة فائدتها.. بحال نبات ظهر على الأرض بعد هطول المطر عليها، واستمر في ظهوره وجماله ونضرته وهيجانه، لفترة مّا من الحياة، أعجب خلالها الكفار به، ثم حل بهذا النبات اليانع الاصفرار والاضمحلال حتى صار حطاما مفتتا تذروه الرياح.والمقصود بهذا التشبيه، زجر الناس عن الركون إلى الحياة الدنيا ركونا ينسون معه فرائض الله- تعالى- وتكاليفه التي كلفهم بها- سبحانه-.وعطف- سبحانه-: فَتَراهُ مُصْفَرًّا بالفاء للإشعار بقصر المسافة، مهما طالت في عرف الناس- بين نضرة الزرع واستوائه، وبين اصفراره ونهايته.قال صاحب الكشاف- رحمه الله-: أراد- سبحانه- أن الدنيا ليست إلا محقرات من الأمور، وهي اللعب واللهو ... وأما الآخرة فما هي إلا أمور عظام.وشبه حال الدنيا بسرعة تقضّيها، مع قلة جدواها، بنبات أنبته الغيث فاستوى واكتمل، وأعجب به الكفار الجاحدون لنعمة الله، فيما رزقهم من الغيث، والنبات.. فبعث عليه العاهة فهاج واصفر وصار حطاما .ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة ببيان عظم الآخرة، وهوان الدنيا فقال: وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ أى: لمن كفر بالله- تعالى- وفسق عن أمره.وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ أى: لمن آمن بالله- تعالى- واتبع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وحافظ على أداء ما كلف به بإخلاص وحسن اقتداء.وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ أى: وما أحوال الحياة الدنيا وما اشتملت عليه من شهوات، إلا متاع زائل، لا يقدم عليه، ولا يتشبع به إلا من خدع بزخرفه، واغتر بمظهره.فالمراد بالغرور: الخديعة، مصدر غره. أى: خدعه وأطمعه بالباطل.

الترجمة الإنجليزية

Sabiqoo ila maghfiratin min rabbikum wajannatin AAarduha kaAAardi alssamai waalardi oAAiddat lillatheena amanoo biAllahi warusulihi thalika fadlu Allahi yuteehi man yashao waAllahu thoo alfadli alAAatheemi

ثم أمرهم- سبحانه- بالمسارعة الى ما يسعدهم، بعد أن بين لهم حال الحياة الدنيا فقال: سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ.وقوله- تعالى- سابِقُوا من المسابقة وهي محاولة أن يسبق الإنسان غيره.ومِنْ في قوله مِنْ رَبِّكُمْ ابتدائية، والجار والمجرور صفة المغفرة.أى: سارعوا- أيها المؤمنون- مسارعة السابقين لغيرهم، إلى مغفرة عظيمة كائنة من ربكم.فالتعبير بقوله: سابِقُوا لإلهاب الحماس وحض النفوس إلى الاستجابة لما أمروا به، حتى لكأنهم في حالة مسابقة يحرص كل قرين فيها إلى أن يسبق قرينه.وقوله: وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ... معطوف على المغفرة. أى:سابقوا غيركم- أيها المؤمنون- إلى مغفرة عظيمة من ربكم، وإلى جنة كريمة هذه الجنة عرضها وسعتها ورحابتها.. كسعة السماء والأرض.وهذه الجنة قد أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ إيمانا حقا، جعلهم لا يقصرون في أداء واجب من الواجبات التي كلفهم- سبحانه- بها.قال الإمام الفخر الرازي ما ملخصه: في كون الجنة عرضها كعرض السماء والأرض وجوه:.منها: أن المراد لو جعلت السموات والأرضون طبقا طبقا ... لكان ذلك مثل عرض الجنة، وهذا غاية في السعة لا يعلمها إلا الله- تعالى-.ومنها: أن المقصود المبالغة في الوصف بالسعة للجنة، وذلك لأنه لا شيء عندنا أعرض منهما .وخص- سبحانه- العرض بالذكر، ليكون أبلغ في الدلالة على عظمها، واتساع طولها، لأنه إذا كان عرضها كهذا، فإن العقل يذهب كل مذهب في تصور طولها، فقد جرت العادة أن يكون الطول أكبر من العرض.قال الإمام ابن كثير: وقد روينا في مسند الإمام أحمد أن هرقل- ملك الروم- كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنك دعوتني إلى جنة عرضها السموات والأرض، فأين النار؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله، فأين الليل إذا جاء النهار» .واسم الإشارة في قوله- تعالى-: ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ يعود إلى الذي وعد الله- تعالى- به عباده المؤمنين من المغفرة والجنة.أى: ذلك العطاء الجزيل فضل الله- تعالى- وحده وهو صاحب الفضل العظيم لا يعلم مقداره إلا هو- عز وجل-.فأنت ترى أن الله- تعالى- بعد أن بين حال الحياة الدنيا. دعا المؤمنين إلى المسابقة إلى العمل الصالح، الذي يوصلهم الى ما هو أكرم وأبقى ... وهو الجنة.وشبيه بهاتين الآيتين قوله- تعالى-: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ. قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ ... .ثم بين- سبحانه- أن كل شيء في هذه الحياة، خاضع لقضاء الله- تعالى- وقدره، وأن على المؤمن الصادق أن يكون شاكرا عند الرخاء، صابرا عند البلاء ... فقال- تعالى-:

الترجمة الإنجليزية

Ma asaba min museebatin fee alardi wala fee anfusikum illa fee kitabin min qabli an nabraaha inna thalika AAala Allahi yaseerun

وما في قوله- تعالى- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ نافية، ومِنْ مزيدة لتأكيد هذا النفي وإفادة عمومه. ومفعول «أصاب» محذوف. وقوله فِي الْأَرْضِ، إشارة إلى المصائب التي تقع فيها من فقر وقحط، وزلازل.وقوله: وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ للإشارة إلى ما يصيب الإنسان في ذاته، كالأمراض، والهموم.والاستثناء في قوله- تعالى- إِلَّا فِي كِتابٍ من أعم الأحوال، والمراد بالكتاب:اللوح المحفوظ، أو علمه- عز وجل- الشامل لكل شيء.وقوله: نَبْرَأَها من البرء- بفتح الباء- بمعنى الخلق والإيجاد، والضمير فيه يعود إلى النفس، أو إلى الأرض، أو إلى جميع ما ذكره الله- تعالى- من خلق المصائب في الأرض والأنفس.والمعنى: واعلموا- أيها المؤمنون علما يترتب عليه آثاره من العمل الصالح- أنه ما أصابكم أو ما أصاب أحدا مصيبة، هذه المصيبة كائنة في الأرض- كالقحط والزلازل- أو في أنفسكم- كالأسقام والأوجاع- إلا وهذه المصائب مسجلة في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ... وهذا التسجيل كائن من قبل أن نخلق هذه الأنفس، وهذه المصائب.وكرر- سبحانه- حرف النفي في قوله وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ للإيماء إلى أن المصائب التي تتعلق بذات الإنسان، يكون أشد تأثرا واهتماما بها، أكثر من غيرها.واسم الإشارة في قوله: إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ يعود إلى الكتابة في الكتاب.أى: إن ذلك الذي أثبتناه في لوحنا المحفوظ وفي علمنا الشامل لكل شيء.. قبل أن نخلقكم، وقبل أن نخلق الأرض.. يسير وسهل علينا، لأن قدرتنا لا يعجزها شيء، وعلمنا لا يعزب عنه شيء.فالآية الكريمة صريحة في بيان أن ما يقع في الأرض وفي الأنفس من مصائب- ومن غيرها من مسرات- مكتوب ومسجل عند الله- تعالى- قبل خلق الأرض والأنفس.وخص- سبحانه- المصائب بالذكر، لأن الإنسان يضطرب لوقوعها اضطرابا شديدا، وكثيرا ما يكون إحساسه بها، وإدراكه لأثرها، أشد من إحساسه وإدراكه للمسرات.ومن الآيات التي تشبه هذه الآية في معناها قوله- تعالى-: قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا، هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ .

الترجمة الإنجليزية

Likayla tasaw AAala ma fatakum wala tafrahoo bima atakum waAllahu la yuhibbu kulla mukhtalin fakhoorin

ثم بين- سبحانه- الحكم التي من أجلها فعل ذلك فقال: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ، وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ.فاللام في قوله: لِكَيْلا تَأْسَوْا.. متعلقة بمحذوف. وقوله: تَأْسَوْا من الأسى، وهو الحزن والضيق الشديد. يقال: أسى فلان على كذا- كفرح- فهو يأسى أسى، إذا حزن واغتم لما حدث، ومنه قوله- تعالى- حكاية عن شعيب- عليه السلام-: فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ .أى: فعلنا ما فعلنا من إثبات ما يصيبكم في كتاب من قبل خلقكم، وأخبرناكم بذلك، لكي لا تحزنوا على ما أصابكم من مصائب حزنا يؤدى بكم إلى الجزع، وإلى عدم الرضا بقضاء الله وقدره ولكي لا تفرحوا بما أعطاكم الله- تعالى- من نعم عظمى وكثيرة.. فرحا يؤدى بكم إلى الطغيان وإلى عدم استعمال نعم الله- تعالى- فيما خلقت له.. فإن من علم ذلك علما مصحوبا بالتدبر والاتعاظ ... هانت عليه المصائب، واطمأنت نفسه لما قضاه الله- تعالى- وكان عند الشدائد صبورا، وعند المسرات شكورا.ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الآية: يعنى: أنكم إذا علمتم أن كل شيء مقدر مكتوب عند الله، قلّ أساكم على الفائت، وفرحكم على الآتي، لأن من علم أن ما عنده مفقود لا محالة، لم يتفاقم جزعه عند فقده، لأنه وطن نفسه على ذلك، وكذلك من علم أن بعض الخير واصل إليه، وأن وصوله لا يفوته بحال، لم يعظم فرحه عند نيله.فإن قلت: فلا أحد يملك نفسه عند مضرة تنزل به، ولا عند منفعة ينالها، أن لا يحزن ولا يفرح؟قلت: المراد الحزن المخرج إلى ما يذهل صاحبه عن الصبر والتسليم لأمر الله- تعالى- ورجاء ثواب الصابرين، والفرح المطغى الملهى عن الشكر.فأما الحزن الذي لا يكاد الإنسان يخلو منه مع الاستسلام، والسرور بنعمة الله، والاعتداد بها مع الشكر، فلا بأس بهما .ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ.أى: والله- تعالى- لا يحب أحدا من شأنه الاختيال بما آتاه- سبحانه- من نعم دون أن يشكره- تعالى- عليها، ومن شأنه- أيضا- التفاخر والتباهي على الناس بما عنده من أموال وأولاد.. وإنما يحب الله- تعالى- من كان من عباده متواضعا حليما شاكرا لخالقه- عز وجل-.فأنت ترى أن هاتين الآيتين قد سكبتا في قلب المؤمن، كل معاني الثقة والرضا بقضاء الله في كل الأحوال.وليس معنى ذلك عدم مباشرة الأسباب التي شرعها الله- تعالى- لأن ما سجله الله في كتابه علينا قبل أن يخلقنا، لا علم لنا به. وإنما علمه مرده إليه وحده- تعالى-.وهو- سبحانه- لا يحاسبنا على ما نجهله، وإنما يحاسبنا على ما أمرنا به، أو نهانا عنه عن طريق رسوله صلى الله عليه وسلم.وكما سجل- سبحانه- أحوالنا قبل أن يخلقنا، فقد شرع الأسباب وأمرنا بمباشرتها.وبين لنا في كثير من آياته، أن جزاءنا من خير أو شر على حسب أعمالنا.وعند ما قال بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: أفلا نتكل على ما قدره الله علينا؟أجابهم بقوله: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» .

الترجمة الإنجليزية

Allatheena yabkhaloona wayamuroona alnnasa bialbukhli waman yatawalla fainna Allaha huwa alghaniyyu alhameedu

وقوله- سبحانه- بعد ذلك: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ بدل من قوله- تعالى-: كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ والمراد بالذين يبخلون: كل من يبخل بماله أو بعلمه..فكأنه- تعالى- يقول: والله لا يحب الذين يبخلون بما أعطاهم من فضله، بخلا يجعلهم لا ينفقون شيئا منه في وجوه الخير، لأن حبهم لأموالهم جعلهم يمسكونها ويشحون بها شحا شديدا.. ولا يكنفون بذلك، بل يأمرون غيرهم بالبخل والشح.وعلى رأس هؤلاء الذين لا يحبهم الله- تعالى- المنافقون، فقد كانوا يبخلون بأموالهم عن إنفاق شيء منها في سبيل الله، وكانوا يتواصون بذلك فيما بينهم، فقد قال- سبحانه-في شأنهم: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا. وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ .وقوله- سبحانه-: وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ تذييل المقصود به ذم هؤلاء البخلاء على بخلهم.وجواب الشرط محذوف، أغنت عنه جملة فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ والغنى: هو الموصوف بالغنى- وهي صفة من صفات الله- عز وجل- إذ هو الغنى غنى مطلقا، والخلق جميعا في حاجة إلى عطائه- سبحانه- والحميد: وصف مبالغة من الحمد. والمراد به أنه- تعالى- كثير الحمد والعطاء للمنفقين في وجوه الخير.أى: ومن يعرض عن هدايات الله- تعالى- وعن إرشاداته ... فلن يضر الله شيئا، فإن الله- تعالى- هو صاحب الغنى المطلق الذي لا يستغنى عن عطائه أحد، وهو- سبحانه- كثير الحمد والعطاء لمن استجاب لأمره فأنفق مما رزقه الله بدون اختيال أو تفاخر أو أذى.ثم بين- سبحانه- أن حكمته قد اقتضت أن يرسل رسله إلى الناس، ليهدوهم إلى طريق الحق، وأن الناس منهم من اتبع الرسل، ومنهم من أعرض عنهم، ومنهم من ابتدع أمورا من عند نفسه لم يرعها حق رعايتها.. فقال- تعالى-:
540