سورة الفرقان (25): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة الفرقان بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تنوير المقباس من تفسير ابن عباس (عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة الفرقان مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة الفرقان

سُورَةُ الفُرۡقَانِ
الصفحة 365 (آيات من 56 إلى 67)

وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا قُلْ مَآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلًا وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَىِّ ٱلَّذِى لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِۦ ۚ وَكَفَىٰ بِهِۦ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرًا ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ۚ ٱلرَّحْمَٰنُ فَسْـَٔلْ بِهِۦ خَبِيرًا وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُوا۟ لِلرَّحْمَٰنِ قَالُوا۟ وَمَا ٱلرَّحْمَٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ۩ تَبَارَكَ ٱلَّذِى جَعَلَ فِى ٱلسَّمَآءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَٰجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى ٱلْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلْجَٰهِلُونَ قَالُوا۟ سَلَٰمًا وَٱلَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَٰمًا وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُوا۟ لَمْ يُسْرِفُوا۟ وَلَمْ يَقْتُرُوا۟ وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا
365

الاستماع إلى سورة الفرقان

تفسير سورة الفرقان (تنوير المقباس من تفسير ابن عباس: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي)

الترجمة الإنجليزية

Wama arsalnaka illa mubashshiran wanatheeran

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (56) لما أفضى الكلامُ بأفانين انتقالاته إلى التعجيب من استمرارهم على أن يعبدوا ما لا يضرهم ولا ينفعهم أُعقب بما يومىء إلى استمرارهم على تكذيبهم محمداً صلى الله عليه وسلم في دعوى الرسالة بنسبة ما بلغه إليهم إلى الإفك ، وأنه أساطير الأولين ، وأنه سِحر ، فأبطلت دعاويهم كلها بوصف النبي بأنه مرسل من الله ، وقصره على صفتي التبشير والنذارة . وهذا الكلام الوارد في الردّ عليهم جامع بين إبطال إنكارهم لرسالته وبين تأنيس الرسول عليه الصلاة والسلام بأنه ليس بمضلّ ولكنه مُبشّر ونذير . وفيه تعريض بأن لا يحزن لتكذيبهم إياه .ثم أمره بأن يخاطبهم بأنه غير طامع من دعوتهم في أن يعتز باتِّباعهم إياه حتى يحسبوا أنهم إن أعرضوا عنه فقد بلغوا من النكاية به أملهم ، بل ما عليه إلا التبليغ بالتبشير والنذارة لفائدتهم لا يريد منهم الجزاء على عمله ذلك .والأجر : العوض على العمل ولو بعمل آخر يقصد به الجزاء .والاستثناء تأكيد لنفي أن يكون يسألهم أجراً لأنه استثناء من أحوال عامة محذوف ما يدل عليها لقصد التعميم ، والاستثناء معيار العموم فلذلك كثر في كلام العرب أن يجعل تأكيد الفعللِ في صورة الاستثناء ، ويسمى تأكيد المدح بما يشبه الذم ، وبعبارة أتقن تأكيدَ الشيء بما يشبه ضده وهو مرتبتان : منه ما هو تأكيد محض وهو ما كان المستثنى فيه منقطعاً عن المستثنى منه أصلاً كقول النابغة :ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائبفإن فلول سيوفهم ليس من جنس العيب فيهم بحال؛ ومنه مرتبة ما هو تأكيد في الجملة وهو ما المستثنى فيه ليس من جنس المستثنى منه لكنه قريب منه بالمشابهة لم يطلق عليه اسم المشبه به بما تضمنه الاستثناء كما في قوله : { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } [ الشورى : 23 ] ، ألا ترى أنه نفى أن يكون يسألهم أجراً على الإطلاق

الترجمة الإنجليزية

Qul ma asalukum AAalayhi min ajrin illa man shaa an yattakhitha ila rabbihi sabeelan

قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (57)في قوله تعالى { قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين } [ ص : 86 ] . فقوله تعالى : { إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً } من قبيل المرتبة الثانية لأن الكلام على حذف مضاف يناسب أجراً إذ التقدير : إلا عمل من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً ، وذلك هو اتباع دين الإسلام . ولما كان هذا إجابة لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم أشبه الأجر على تلك الدعوة فكان نظير قوله { قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى } [ الشورى : 23 ] . وقد يسمون مثل هذا الاستثناءِ الاستثناء المنقطع ويقدرونه كالاستدراك .والسبيل : الطريق . واتخاذ السبيل تقدم آنفاً في قوله : { يا ليتني اتخذتُ مع الرسول سبيلاً } [ الفرقان : 27 ] . وجعل السبيل هنا إلى الله لأنه وسيلة إلى إجابته فيما دعاهم إليه وهذا كقوله تعالى : { فمن شاء اتخذ إلى ربه مئاباً } [ النبأ : 39 ] .وذكر وصف الرب دون الاسم العلَم للإشارة إلى استحقاقه السير إليه لأن العبد محقوق بأن يرجع إلى ربه وإلاّ كان آبقاً .

الترجمة الإنجليزية

Watawakkal AAala alhayyi allathee la yamootu wasabbih bihamdihi wakafa bihi bithunoobi AAibadihi khabeeran

وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58)عطف على جملة { قل ما أسألكم عليه من أجر } [ الفرقان : 57 ] أي قل لهم ذلك وتوكل على الله في دعوتك إلى الدين فهو الذي يجازيك على ذلك ويجازيهم .والتوكل : الاعتماد وإسلام الأمور إلى المتوكل عليه وهو الوكيل ، أي المتولّي مهمّات غيره ، وقد تقدم في قوله تعالى : { فإذا عزمتَ فتوكَّل على الله } في آل عمران )159 ).و { الحي الذي لا يموت } هو الله تعالى . وعدل عن اسم الجلالة إلى هذين الوصفين لما يؤذن به من تعليل الأمر بالتوكل عليه لأنه الدائم فيفيد ذلك معنى حصْر التوكل في الكون عليه ، فالتعريف في { الحي } للكامل ، أي الكامل حياته لأنها واجبة باقية مستمرة وحياة غيره معرضة للزوال بالموت ومعرضة لاختلال أثرها بالذهول كالنوم ونحوه فإنه من جنس الموت ، فالتوكل على غيره معرض للاختلال وللانخرام . وفي ذكر الوصفين تعريض بالمشركين إذ ناطوا آمالهم بالأصنام وهي أموات غير أحياء .وفي الآية إشارة إلى أن المرء الكامل لا يثق إلا بالله لأن التوكل على الأحياء المعرضين للموت وإن كان قد يفيد أحياناً لكنه لا يدوم .وأما أمره بالتسبيح فهو تنزيه الله عما لا يليق به وأول ذلك الشركة في الإلهية ، أي إذا أهمّك أمر إعراض المشركين عن دعوة الإسلام فعليك نفسك فنزه الله .والباء في { بحمده } للمصاحبة ، أي سبحه تسبيحاً مصاحباً للثناء عليه بما هو أهله . فقد جمع له في هذا الأمر التخلية والتحلية مقدِّماً التخلية لأن شأن الإصلاح أن يبدأ بإزالة النقص .وأمْر النبي صلى الله عليه وسلم يشمل الأمة ما لم يكن دليل على الخصوصية .وجملة { وكفى به بذنوب عباده خبيراً } اعتراض في آخر الكلام ، فيفيد معنى التذييل لما فيه من الدلالة على عموم علمه تعالى بذنوب الخلق ، ومن ذلك أحوال المشركين الذين هم غرض الكلام . ففي )ذنوب عباده )عُمومان : عمومُ ذنوبهم كلّها لإفادة الجمع المضاف عمومَ إفراد المضاف ، وعمومُ الناس لإضافة )عباد )إلى ضمير الجلالة ، أي جميِع عباده ، مع ما في صيغة )خبير )من شدة العلم وهو يستلزم العموم فكان كعموم ثالث . والكفاية : الإجزاء ، وفي فعل { كفى } إفادة أنه لا يحتاج إلى غيره وهو مستعمل في الأمر بالاكتفاء بتفويض الأمر إليه .والباء لتأكيد إسناد الفعل إلى الفاعل . وقد كثر دخول باء التأكيد بعدَ فعل الكفاية على فاعله أو مفعوله ، وتقدم في قوله تعالى : { كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً } في سورة الإسراء )14 ). و { خبيراً } حال من ضمير { به } أي كفى به من حيث الخبرة .والعلمُ بالذنوب كناية عن لازمه وهو أنه يجازيهم على ذنوبهم ، والشرك جامع الذنوب . وفي الكلام أيضاً تعريض بتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم على ما يلاقيه من أذاهم .

الترجمة الإنجليزية

Allathee khalaqa alssamawati waalarda wama baynahuma fee sittati ayyamin thumma istawa AAala alAAarshi alrrahmanu faisal bihi khabeeran

الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59)أجريت هذه الصلة وصفاً ثانياً ل { الحي الذي لا يموت } [ الفرقان : 58 ] لاقتضائها سعة العلم وسعة القدرة وعظيم المجد ، فصاحبها حقيق بأن يُتوكل عليه ويفوض أمر الجزاء إليه . وهذا تخلّص إلى العود إلى الاستدلال على تصرف الله تعالى بالخلق .وتقدم الكلام على خلق السماوات والأرض في ستة أيّام في سورة البقرة ، وعلى الاستواء في سورة الأعراف .و { الرحمان } خبر مبتدأ محذوف ، أي هو الرحمان . وهذا من حذف المسند إليه الغالب في الاستعمال عندما تتقدم أخبار أو أوصاف لصاحبها ، ثم يُراد الإخبار عنه بما هو إفصاح عن وصف جامع لما مضى أو أهم في الغرض مما تقدمه ، فإن وصف الرحمن أهم في الغرض المسوق له الكلام وهو الأمر بالتوكل عليه فإنه وصف يقتضي أنه يدبر أمور من توكل عليه بقوي الإسعاف .وفرع على وصفه ب { الرحمان } قوله { فسئل به خبيراً } للدلالة على أن في رحمته من العظمة والشمول ما لا تفي فيه العبارة فيعدل عن زيادة التوصيف إلى الحوالة على عليم بتصاريف رحمته مُجرب لها مُتلقّ أحاديثها ممن عَلِمها وجرّبها .وتنكير { خبيراً } للدلالة على العُموم ، فلا يظن خبيراً معيناً ، لأن النكرة إذا تعلق بها فعل الأمر اقتضت عموماً بدليل أيّ خبير سألته أعلمك .وهذا يجري مجرى المثل ولعله من مبتكرات القرآن نظير قول العرب : «على الخبير سقطتَ» يقولها العارف بالشيء إذا سُئِل عنه . والمَثلان وإن تساويا في عدد الحروف المنطوق بها فالمثَل القرآني أفصحُ لسلامته من ثقل تلاقي القاف والطاء والتاء في )سقطت ). وهو أيضاً أشرف لسلامته من معنى السقوط ، وهو أبلغ معنى لما فيه من عموم كل خبير ، بخلاف قولهم : على الخبير سقطتَ ، لأنها إنما يقولها الواحد المعيَّن . وقريب من معنى { فسئل به خبيراً } قول النابغة :هلا سألت بني ذبيان ما حسبي ... إذا الدخان تغشى الأشمط البرماإلى قوله :يخبرك ذو عرضهم عني وعالمهم ... وليس جاهلُ شيء مثلَ مَن علماوالباء في { به } بمعنى )عن )أي فاسأل عنه كقول علقمة :فإن تسأُلوني بالنساء فإنني ... خبير بأدواء النساء طبيبويجوز أن تكون الباء متعلقة ب { خبيراً } وتقديم المجرور للرعي على الفاصلة وللاهتمام ، فله سببان .

الترجمة الإنجليزية

Waitha qeela lahumu osjudoo lilrrahmani qaloo wama alrrahmanu anasjudu lima tamuruna wazadahum nufooran

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60)لما جرى وصف الله تعالى بالرحمان مع صفات أخر استطرد ذكر كُفر المشركين بهذا الوصف . وقد علمت عند الكلام على البسملة في أول هذا التفسير أن وصف الله تعالى باسم )الرحمان )هو من وضع القرآن ولم يكن معهوداً للعرب ، وأما قول شاعر اليمامة في مدح مُسيلمة :سموْتَ بالمجد يابن الأكرمين أباً ... وأنت غيث الورى لا زلت رحمانافذلك بعد ظهور الإسلام في مدة الردة ، ولذلك لما سمعوه من القرآن أنكروه قصداً بالتورّك على النبي صلى الله عليه وسلم وليس ذلك عن جهل بمدلول هذا الوصف ولا بكونه جارياً على مقاييس لغتهم ولا أنه إذا وصف الله به فهو رب واحد وأن التعدد في الأسماء؛ فكانوا يقولون : انظروا إلى هذا الصابىء ينهانا أن ندعو إلهين وهو يدعو الله ويدعو الرحمن . وفي ذلك نزل قوله تعالى : { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان أيّاً مَّا تدعوا فله الأسماء الحسنى } وقد تقدم في آخر سورة الإسراء )110 )وهذه الآية تشير إلى آية سورة الإسراء .والخبر هنا مستعمل كناية في التعجيب من عِنادهم وبهتانهم ، وليس المقصود إفادة الإخبار عنهم بذلك لأنه أمر معلوم من شأنهم .والسجود الذي أمروا به سجود الاعتراف له بالوحدانية وهو شعار الإسلام ، ولم يكن السجود من عبادتهم وإنما كانوا يطوفون بالأصنام ، وأما سجود الصلاة التي هي من قواعد الإسلام فليس مراداً هنا إذ لم يكونوا ممن يؤمر بالصلاة ولا فائدة في تكليفهم بها قبل أن يُسلِموا . ويدل لذلك حديث معاذ بن جبل حين أرسله النبيءُ صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فأمره أن يدعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ثم قال : فإن هم أطاعوا لِذلك فأعلِمْهم أن الله افترض عليهم خمسَ صلوات في اليوم والليلة الخ . ومسألة تكليف الكفار بفروع الشريعة لا طائل تحتها .وواو العطف في قولهم { وما الرحمن } لعطفهم الكلام الذي صدر منهم على الكلام الذي وُجه إليهم في أمرهم بالسجود للرحمان ، على طريقة دخول العطف بين كلامي متكلمين كما في قوله تعالى : { قال إني جاعلُك للناس إماماً قال ومِن ذرّيّتي } [ البقرة : 124 ] . و { ما } من قوله { وما الرحمن } استفهامية .والاستفهام مستعمل في الاستغراب ، يعنون تجاهل هذا الاسم ، ولذلك استفهموا عنه بما دون )مَن )باعتبار السؤال عن معنى هذا الاسم .والاستفهام في { أنسجد لما تأمرنا } إنكار وامتناع ، أي لا نسجد لشيء تأمرنا بالسجود له على أن { ما } نكرة موصوفة ، أو لا نسجد للذي تأمرنا بالسجود له إن كانت { ما } موصولة ، وحُذف العائد من الصفة أو الصلة مع ما اتصل هو به لدلالة ما سبق عليه ، ومقصدهم من ذلك إباء السجود لله لأن السجود الذي أمروا به سجود لله بنيّة انفراد الله به دون غيره ، وهم لا يجيبون إلى ذلك كما قال الله تعالى :{ وقد كانوا يُدعون إلى السجود وهم سالمون } [ القلم : 43 ] ، أي فيأبَون ، وقال : { وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون } [ المرسلات : 48 ] . ويدل على ذلك قوله { وزادهم نفوراً } فالنفور من السجود سابق قبل سماع اسم الرحمن .وقرأ الجمهور { تأمرنا } بتاء الخطاب . وقرأه حمزة والكسائي بياء الغيبة على أن قولهم ذلك يقولونه بينهم ولا يشافِهون به النبي صلى الله عليه وسلموالضمير المستتر في { زادهم } عائد إلى القول المأخوذ من { وإذا قيل لهم } . والنفور : الفرار من الشيء . وأطلق هنا على لازمه وهو البعد . وإسناد زيادة لنفور إلى القول لأنه سبب تلك الزيادة فهم كانوا أصحاب نفور من سجود لله فلما أمروا بالسجود للرحمان زادوا بُعداً من الإيمان ، وهذا كقوله في سورة نوح )6 ){ فلم يَزدْهم دُعائي إلا فراراً }وهذا موضع سجدة من سجود القرآن بالاتفاق . ووجه السجود هنا إظهار مخالفة المشركين إذ أبوا السجود للرحمان ، فلما حكي إباؤهم من السجود للرحمان في معرض التعجيب من شأنهم عُزز ذلك بالعمل بخلافهم فسجد النبي هنا مخالفاً لهم مخالفة بالفعل مبالغة في مخالفته لهم بعد أن أبطل كفرهم بقوله : { وتوكل على الحي الذي لا يموت } [ الفرقان : 58 ] الآيات الثلاث . وسنّ الرسول عليه السلام السجود في هذا المَوضع .

الترجمة الإنجليزية

Tabaraka allathee jaAAala fee alssamai buroojan wajaAAala feeha sirajan waqamaran muneeran

تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61)استئناف ابتدائي جعل تمهيداً لقوله { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هَوْناً } [ الفرقان : 63 ] الآيات التي هي محصول الدعامة الثالثة من الدعائم الثلاث التي أقيم عليها بناء هذه السورة ، وافتتحت كل دعامة منها ب { تبارك الذي . . . } إلخ كما تقدم في صدر السورة . وافتتح ذلك بإنشاء الثناء على الله بالبركة والخير لما جعله للخلق من المنافع . وتقدم { تبارك } أول السورة )1 )وفي قوله { تبارك الله رب العالمين } في الأعراف )54 ).والبروج : منازل مرور الشمس فيما يرى الراصدون . وقد تقدم الكلام عليها عند قوله تعالى : { ولقد جعلنا في السماء بروجاً } في أول سورة الحجر )16 ).والامتنان بها لأن الناس يُوقّتون بها أزمانهم .وقرأ الجمهور سراجاً } بصيغة المفرد . والسراج : الشمس كقوله : { وجعل الشمس سراجاً } في سورة نوح )16 ). ومناسبة ذلك لما يرد بعده من قوله : { وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة . . . } [ الفرقان : 62 ] .وقرأ حمزة والكسائي { سُرُجاً } بضم السين والراء جمع سراج فيشمل مع الشمس النجوم ، فيكون امتناناً بحسن منظرها للناس كقوله { ولقد زيّنَّا السماء الدنيا بمصابيح } [ الملك : 5 ] . والامتنان بمحاسن المخلوقات وارد في القرآن قال تعالى : { ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون } [ النحل : 6 ] .والكلام جار على التشبيه البليغ لأن حقيقة السراج : المصباح الزاهر الضياء . والمقصود : أنه جعل الشمس مزيلة للظلمة كالسراج ، أو خلق النجوم كالسراج في التلألؤ وحسن المنظر .ودلالة خلق البروج وخلق الشمس والقمر على عظيم القدرة دلالة بينة للعاقل ، وكذلك دلالته على دقيق الصنع ونظامه بحيث لا يختل ولا يختلف حتى تسنى للناس رصد أحوالها وإناطة حسابهم بها .

الترجمة الإنجليزية

Wahuwa allathee jaAAala allayla waalnnahara khilfatan liman arada an yaththakkara aw arada shukooran

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)الاستدلال هذا بما في الليل والنّهار من اختلاف الحال بين ظلمة ونور ، وبرد وحر ، مما يكون بعضه أليق ببعض الناس من بعض ببعض آخر ، وهذا مخالف للاستدلال الذي في قوله { وهو الذي جعل لكم الليل لباساً والنوم سباتاً وجعل النهار نشوراً } [ الفرقان : 47 ] ، فهذه دلالة أخرى ونعمة أخرى والحِكَم في المخلوقات كثيرة .والقصر هنا قصر حقيقي وليس إضافياً فلذلك لا يراد به الرد على المشركين بخلاف صيغ القصر السابقة من قوله { وهو الذي جعل لكم الليل لباساً إلى قوله وكان ربك قديراً } [ الفرقان : 47 54 ] .والخِلفة بكسر الخاء وسكون اللام : اسم لما يَخلف غيره في بعض ما يصلح له . صيغ هذا الاسم على زنة فِعْلة لأنه في الأصل ذو خلفة ، أي صاحب حالة خلف فيها غيره ثم شاع استعماله فصار اسماً ، قال زهير :بها العين والآرام يَمشِينَ خِلفَةً ... وأطلاؤها ينهَضْن من كل مُجْثَمأي يمشي سرب ويخلفه سرب آخر ثم يتعاقب هكذا . فالمعنى : جعل الليل خلفة والنهارَ خلفة : أي كلَّ واحد منهما خِلفة عن الآخر ، أي فيما يعمل فيها من التدبر في أدلة العقيدة والتعبد والتذكر .واللام في { لمن أراد أن يذكر } لام التعليل وهي متعلقة ب { جعل } ، فأفاد ذلك أن هذا الجعل نافع من أراد أن يذّكر أو أراد شُكوراً .والتذكر : تفعّل من الذِكر ، أي تكلف الذكر . والذكر جاء في القرآن بمعنى التأمل في أدلة الدين ، وجاء بمعنى : تذكر فائت أو منسي ، ويجمع المعنيين استظهار ما احتجب عن الفكر .والشكور : بضم الشين مصدر مرادف الشكر ، والشكر : عرفانُ إحسان المحسن . والمراد به هنا العبادة لأنها شكر لله تعالى .فتفيد الآية معنى : لينظرَ في اختلافهما المتفكر فيعلم أن لا بدّ لانتقالهما من حال إلى حال مؤثر حكيم فيستدل بذلك على توحيد الخالق ويعلم أنه عظيم القدرة فيوقن بأنه لا يستحق غيره الإلهية ، وليشكر الشاكر على ما في اختلاف الليل والنهار من نعم عظيمة منها ما ذكر في قوله تعالى : { وهو الذي جعل لكم الليل لباساً والنوم سباتاً وجعل النهار نشوراً } [ الفرقان : 47 ] فيكثر الشاكرون على اختلاف أحوالهم ومناسباتهم ، وتفيد معنى : ليتداركَ الناسِي ما فاته في الليل بسبب غلبة النوم أو التعب فيقضيَه في النهار أو ما شغله عنه شواغل العمل في النهار فيقضيه بالليل عند التفرغ فلا يرزؤه ذلك ثواب أعماله . روي أن عمر بن الخطاب أطال صلاة الضحى يوماً فقيل له : صنعت شيئاً لم تكن تصنعه؟ فقال : إنه بَقي عليَّ من وردي شيء فأحببت أن أقضيه وتلا قوله تعالى : { وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة } الآية . ولمن أراد أن يتقرب إلى الله شكراً له بصلاة أو صيام فيكون الليل أسعد ببعض ذلك والنهار أسعد ببعض ، فهذا مفاد عظيم في إيجاز بديع .وجيء في جانب المتذكرين بقوله { أن يذكر } لدلالة المضارع على التجدد . واقتصر في جانب الشاكرين على المصدر بقوله { أو أراد شكوراً } لأن الشكر يحصل دفعة . ولأجل الاختلاف بين النظمين أعيد فعل { أراد } إذ لا يلتئم عطف { شكوراً } على { أن يذكر } .وقرأ الجمهور { أن يذَّكر } بتشديد الذال مفتوحة ، وأصله : يتذكر فأدغمت التاء في الذال لتقاربهما . وقرأ حمزة وخلف { أن يَذْكُر } بسكون الذال وضم الكاف وهو بمعنى المشدّد إلاّ أن المشدّد أشدّ عملاً ، وكِلا العملين يستدركان في الليل والنهار .

الترجمة الإنجليزية

WaAAibadu alrrahmani allatheena yamshoona AAala alardi hawnan waitha khatabahumu aljahiloona qaloo salaman

وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)عطف جملة على جملة ، فالجملة المعطوفة هي { عباد الرحمن } إلخ ، فهو مبتدأ وخبره { الذين يمشون على الأرض هوناً } إلخ . وقيل : الخبر { أولئك يجزون الغرفة بما صبروا } [ الفرقان : 75 ] . والجملةُ المعطوف عليها جملة { وهو الذي جعل الليل والنهار خِلفة } [ الفرقان : 62 ] إلخ . فبمناسبة ذكر من أراد أن يذَّكَّر تُخلّص إلى خصال المؤمنين أتباع النبي صلى الله عليه وسلم حتى تستكمل السورة أغراض التنويه بالقرآن ومن جاء به ومن اتبعوه كما أشرنا إليه في الإلمام بأهم أغراضها في طالعة تفسيرها . وهذا من أبدع التخلص إذْ كان مفاجئاً للسامع مطمِعاً أنه استطراد عارض كسوابقه حتى يُفاجئه ما يؤذن بالختام وهو { قل ما يَعْؤا بكم ربّي } [ الفرقان : 77 ] الآية .والمراد ب { عباد الرحمن } بادىء ذي بدء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فالصلات الثمان التي وصفوا بها في هذه الآية حكاية لأوصافهم التي اختصوا بها .وإذ قد أُجريت عليهم تلك الصفات في مقام الثناء والوعد بجزاء الجنة عُلم أن من اتصف بتلك الصفات موعود بمثل ذلك الجزاءِ وقد شرفهم الله بأن جعل عنوانهم عبادَه ، واختار لهم من الإضافة إلى اسمه اسمَ الرحمن لوقوع ذكرهم بعد ذكر الفريق الذين قيل لهم : { اسجُدوا للرحمان . قالوا : وما الرحمن } [ الفرقان : 60 ] . فإذا جعل المراد من { عباد الرحمن } أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان الخبرُ في قوله { الذين يمشون على الأرض هوناً } إلى آخر المعطوفات وكان قوله الآتي { أولئك يُجْزَوْن الغرفة بما صبروا } [ الفرقان : 75 ] استئنافاً لبيان كونهم أحرياء بما بعد اسم الإشارة .وإذا كان المراد من { عباد الرحمن } جميع المؤمنين المتصفين بمضمون تلك الصلات كانت تلك الموصولات وصلاتها نعوتاً ل { عباد الرحمن } وكان الخبر اسمَ الإشارة في قوله { أولئك يُجْزَوْنَ الغرفة } [ الفرقان : 75 ] إلخ .وفي الإطناب بصفاتهم الطيبة تعريض بأن الذين أبوا السجود للرحمان وزادهم نفوراً هم على الضد من تلك المحامد ، تعريضاً تشعر به إضافةُ { عباد } إلى { الرحمن } .واعلم أن هذه الصلات التي أجريت على { عباد الرحمن } جاءت على أربعة أقسام :قسم هو من التحلّي بالكمالات الدينية وهي التي ابتدىء بها من قوله تعالى { الذين يمشون على الأرض هوناً } إلى قوله { سلاماً } [ الفرقان : 75 ] .وقسم هو من التخلّي عن ضلالات أهل الشرك وهو الذي من قوله : { والذين لا يَدْعُون مع الله إلهاً آخر } [ الفرقان : 68 ] .وقسم هو من الاستقامة على شرائع الإسلام وهو قوله : { والذين يَبِيتُون لربهم سُجَّداً وقياماً } [ الفرقان : 64 ] ، وقولُه { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا } [ الفرقان : 67 ] الآية ، وقوله : { ولا يقتلون النفس } إلى قوله { لا يشهدون الزور } [ الفرقان : 68 72 ] إلخ .وقسم من تطلب الزيادة من صلاح الحال في هذه الحياة وهو قوله : { والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا إلى قوله : { للمتقين إماماً } [ الفرقان : 74 ] .وظاهر قوله { يمشون على الأرض هوناً } أنه مدح لمِشيةٍ بالأرْجُل وهو الذي حمل عليه جمهورُ المفسرين .وجوز الزجاج أن يكون قوله { يمشون } عبارة عن تصرفاتهم في معاشرة الناس فعُبّر عن ذلك بالانتقال في الأرض وتبعه ابن عطية وهذا الذي ذكره مأخوذ مما روي عن زيد ابن أسلم كما سيأتي . فعلى الوجه الأول يكون تقييدُ المشي بأنه على الأرض ليكون في وصفه بالهَوْن ما يقتضي أنهم يمشون كذلك اختياراً وليس ذلك عند المشي في الصعدات أو على الجنادل .والهَوْن : اللين والرفق . ووقع هنا صفة لمصدر المشي محذوف تقديره )مَشْياً )فهو منصوب على النيابة عن المفعول المطلق .والمشي الهَوْن : هو الذي ليس فيه ضرب بالأقدام وخفقُ النعال فهو مخالف لمشْي المتجبرين المعجَبين بنفوسهم وقوتهم . وهذا الهَوْن ناشىء عن التواضع لله تعالى والتخلُّق بآداب النفس العالية وزوال بطر أهل الجاهلية فكانت هذه المشية من خلال الذين آمنوا على الضد من مشي أهل الجاهلية . وعن عمر بن الخطاب أنه رأى غلاماً يتبختر في مِشيته فقال له «إن البخترة مِشية تُكْره إلا في سبيل الله» . وقد مدح الله تعالى أقواماً بقوله سبحانه { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً } فاقْصِدْ في مِشيتِك ، وحكى الله تعالى عن لقمان قولَه لابنه { ولا تَمْششِ في الأرض مرَحاً } [ الإسراء : 37 ] .والتخلّق بهذا الخلق مظهر من مظاهر التخلق بالرحمة المناسب لعباد الرحمان لأن الرحمة ضد الشدة ، فالهوْن يناسب ماهيتَها وفيه سلامة من صدم المارين .وعن زيد بن أسلم قال : كنت أسأل عن تفسير قوله تعالى : { الذين يمشون على الأرض هوناً } فما وجدت في ذلك شفاء فرأيت في المنام من جاءني فقال لي : «هُم الذين لا يريدون أن يفسدوا في الأرض» . فهذا رأي لزيد بن أسلم أُلهمه يجعل معنى { يمشون على الأرض } أنه استعارة للعمل في الأرض كقوله تعالى { وإذا تولّى سعى في الأرض لِيُفْسِد فيها } [ البقرة : 205 ] وأن الهوْن مستعار لفعل الخير لأنه هون على الناس كما يسمى بالمعروف .وقُرن وصفهم بالتواضع في سمتهم وهو المشي على الأرض هوْناً بوصف آخر يناسب التواضع وكراهيةَ التطاول وهو متاركة الذين يجهلون عليهم في الخطاب بالأذى والشتم وهؤلاء الجاهلون يومئذ هم المشركون إذ كانوا يتعرضون للمسلمين بالأذى والشتم فعلمهم الله متاركة السفهاء ، فالجهل هنا ضد الحلم ، وذلك أشهر إطلاقاته عند العرب قبل الإسلام وذلك معلوم في كثير من الشعر والنثر .وانتصب { سلاماً } على المفعولية المطلقة . وذكرهم بصفة الجاهلين دون غيرها مما هو أشد مذمّةً مثل الكافرين لأن هذا الوصف يُشعر بأن الخطاب الصادر منهم خطاب الجهالة والجفوة .و )السلام )يجوز أن يكون مصدراً بمعنى السلامة ، أي لا خير بيننا ولا شرّ فنحن مُسلمون منكم . ويجوز أن يكون مراداً به لفظ التحية فيكون مستعملاً في لازمه وهو المتارَكة لأن أصل استعمال لفظ السلام في التحيةِ أنه يؤذن بالتأمين ، أي عدم لإهاجة ، والتأمين : أول ما يلقى به المرء من يريد إكرامَه ، فتكون الآية في معنى قوله{ وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلامٌ عليكم لا نبتغي الجاهلين } [ القصص : 55 ] .قال ابن عطية : وأريت في بعض التواريخ أن إبراهيم بن المهدي وكان من المائلين على علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال يوماً بحضرة المأمون وعنده جماعة : كنت أرى علي بن أبي طالب في النوم فكنت أقول له : من أنت؟ فكان يقول : عليٌّ بن أبي طالب ، فكنت أجيء معه إلى قنطرة فيذهب فيتقدمني في عُبورها فكنت أقول : إنما تَدَّعي هذا الأمر بامرأةٍ ونحن أحق به منك ، فما رأيت له في الجواب بلاغةً كما يُذكر عنه ، قال المأمون : وبماذا جاوبك؟ قال : فكان يقول لي : سَلاماً . قال الراوي : فكأنَّ إبراهيم بن المهدي لا يحفظ الآية أو ذهبتْ عنه في ذلك الوقت ، فنبه المأمونُ على الآية من حضره وقال : هو والله يا عمّ عليّ بن أبي طالب وقد جاوبك بأبلغ جواب ، فخُزي إبراهيم واستحيا . ولأجل المناسبة بين الصيغتين عطفت هذه على الصلة الأولى . ولم يكرر اسم الموصول كما كرر في الصفات بعدها .

الترجمة الإنجليزية

Waallatheena yabeetoona lirabbihim sujjadan waqiyaman

وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64)عطف صفة أخرى على صفتيهم السابقتين على حدّ قول الشاعر :إلى الملِك القرم وابن الهمام ... وليث الكتيبة في المُزدحموإعادة الموصول لتأكيد أنهم يُعرفون بهذه الصلة ، والظاهر أن هذه الموصولات وصلاتها كلها أخبار أو أوصاف لعباد الرحمان . روي عن الحسن البصري أنه كان إذا قرأ { الذين يمشون على الأرض هَوْناً } [ الفرقان : 63 ] قال : هذا وصف نهارهم ، ثم إذا قرأ { والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً } قال : هذا وصف ليلهم .والقِيام : جمع قَائم كالصِحاب ، والسجود والقيام ركنا الصلاة ، فالمعنى : يبيتون يصلّون ، فوقع إطناب في التعبير عن الصلاة بركنيها تنويهاً بكليهما . وتقديم { سجداً } على { قياماً } للرعي على الفاصلة مع الإشارة إلى الاهتمام بالسجود وهو ما بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : « أقرب ما يكونُ العبد من ربه وهو ساجد » وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيري التهجد كما أثنى الله عليهم بذلك بقوله { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } [ السجدة : 16 ] .

الترجمة الإنجليزية

Waallatheena yaqooloona rabbana isrif AAanna AAathaba jahannama inna AAathabaha kana gharaman

وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) دعاؤهم هذا أمارة على شدة مخافتهم الذنوب فهم يسعون في مرضاة ربّهم لينجوا من العذاب ، فالمراد بصرف العذاب : إنجاؤهم منه بتيسير العمل الصالح وتوفيره واجتناب السيئات .وجملة { إن عذابها كان غراماً } يجوز أن تكون حكاية من كلام القائلين . ويجوز أن تكون من كلام الله تعالى معترضة بين اسمي الموصول ، وعلى كل فهي تعليل لسؤال صرف عذابها عنهم .والغرام : الهلاك المُلِحّ الدائِم ، وغلب إطلاقه على الشر المستمر .

الترجمة الإنجليزية

Innaha saat mustaqarran wamuqaman

إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)وجملة { إنها ساءت مستقراً ومقاماً } يجوز أن تكون حكاية لكلام القائلين فتكون تعليلاً ثانياً مؤكّداً لتعليلهم الأول ، وأن تكون من جانب الله تعالى دون التي قبلها فتكون تأييداً لتعليل القائلين . وأن تكون من كلام الله مع التي قبلها فتكون تكريراً للاعتراض .والمستقَرّ : مكان الاستقرار . والاستقرار : قوة القرار . والمقام : اسم مكان الإقامة ، أي ساءت موضعاً لمن يستقر فيها بدون إقامة مثل عصاة أهل الأديان ولمن يقيم فيها من المكذبين للرسل المبعوثين إليهم .

الترجمة الإنجليزية

Waallatheena itha anfaqoo lam yusrifoo walam yaqturoo wakana bayna thalika qawaman

وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)أفاد قوله { إذا أنفقوا } أن الإنفاق من خصالهم فكأنه قال : والذين ينفقون وإذا أنفقوا إلخ . وأريد بالإنفاق هنا الإنفاق غير الواجب وذلك إنفاق المرء على أهل بيته وأصحابه لأن الإنفاق الواجب لا يذمّ الإسراف فيه ، والإنفاق الحرام لا يُحمد مطلقاً بَلْهَ أن يذم الإقتار فيه على أن في قوله { إذا أنفقوا } إشعاراً بأنهم اختاروا أن ينفقوا ولم يكن واجباً عليهم .والإسراف : تجاوز الحد الذي يقتضيه الإنفاق بحسب حال المنفق وحال المنفَق عليه . وتقدم معنى الإسراف في قوله تعالى : { ولا تأكلوها إسرافاً } في سورة النساء )6 )، وقوله : { ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } في سورة الأنعام )141 ).والإقتار عكسه ، وكان أهل الجاهلية يسرفون في النفقة في اللذات ويُغْلُون السباء في الخمر ويتممون الأيسار في الميسر . وأقوالهم في ذلك كثيرة في أشعارهم وهي في معلّقة طرفة وفي معلقة لبيد وفي ميمية النابغة ، ويفتخرون بإتلاف المال ليتحدث العظماء عنهم بذلك ، قال الشاعر مادحاً :مفيد ومتلاف إذا ما أتيتُه ... تهلَّل واهتز اهتزاز المهندوقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر ولا يُقتِروا } بضم التحتية وكسر الفوقية من الإقْتار وهو مرادف التقتير . وقرأه ابن كثير وأبو عَمرو ويعقوب بفتح التحتية وكسر الفوقية من قتر من باب ضَرَب وهو لغة . وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وخلف بفتح التحتية وضم الفوقية من فعل قتر من باب نصَر .والإقتار والقَتْر : الإجحاف والنقص مما تسعه الثروة ويقتضيه حال المنفَق عليه . وكان أهل الجاهلية يُقْتِرون على المساكين والضعفاء لأنهم لا يسمعون ثناء العظماء في ذلك . وقد تقدم ذلك عند قوله : { كُتب عليكم إذا حضر أحدكم الموتُ إن ترك خيراً الوصية للوالدَيْن } [ البقرة : 180 ] .والإشارة في قوله : { بين ذلك } إلى ما تقدم بتأويل المذكور ، أي الإسراف والإِقتار .والقَوام بفتح القاف : العدل والقصد بين الطرفين .والمعنى : أنهم يضعون النفقات مواضعها الصالحة كما أمرهم الله فيدوم إنفاقهم وقد رغب الإسلام في العمل الذي يدوم عليه صاحبه ، وليسير نظام الجماعة على كفاية دون تعريضه للتعطيل فإن الإسراف من شأنه استنفاد المال فلا يدوم الإنفاق ، وأما الإقتار فمن شأنه إمساكُ المال فيُحرم من يستأهله .وقوله : { بين ذلك } خبرُ { كَان } و { قَواماً } حال موكِّدة لمعنى { بين ذلك } . وفيها إشعار بمدح ما بين ذلك بأنه الصواب الذي لا عِوَج فيه . ويجوز أن يكون { قَواما } خبر { كان } و { بين ذلك } ظرفا متعلقاً به . وقد جرت الآية على مراعاة الأحوال الغالبة في إنفاق الناس . قال القرطبي : والقَوام في كل واحد بحسب عياله وحاله ولهذا ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق يتصدق بجميع ماله ومنع غيره من ذلك .
365